رحل طلال سلمان فغابت شمس “السفير”، أخيرا حطت الحمامة البرتقالية لتنهي رحلتها، خيم الحزن فوق الجدران وساد الصمت العميق..
سنبحث عن زاوية “على الطريق”.. لن نجد سوى العقم التعبيري. باتت الزاوية صماء، بدونا مع الخبر مثل التائهين في غياهب الظلمات.. الان ضللنا الطريق.. من يدلنا على المراسم ويتحفنا بالعبارات التي تزيح عن كاهلنا ثقل الضجر وتنتشلنا من الضياع..
من سيمسك بايدينا ويدلنا على الطريق.. الا تريد أبو أحمد ان تأخذنا برأيك وتزيل عنا رهبة العتمة وتحرك فينا السكون الذي ضرب عقولنا وأردانا تعساء..
الان سقط اليراع.. لم نعد نقوى على الكلام.. خفت الصوت وسكت عن المباح، إنطفأ السراج.. ورحل اخر عباقرة الإبداع التعبيري، أصبحنا بدون “طريقك” نبحث عن العبارات المسكوبة على جانبيها ونقارع الفراغ..
غاب اللحن الذي كان يطوف في الصباح، وقفنا هنا نسير حفاة، مشدوهين وصامتين نسأل عن الصدى الذي يخرج من كلماتك.. إختفى الصوت الذي كان يبهر الناس ويعبر عن ماسيهم، ومعاناتهم وعن الألم الذي يكتنفهم.. رحل أبو الفقراء وصوتهم، وإختفى صوت الذين لا صوت لهم..
مضى طلال سلمان الذي ارغم كل الرجال في الشرق والغرب على ان ينهضوا من سباتهم ويهبوا من رقادهم، هو نفسه الرجل الذي كان العالم ينتظره مع إنبلاج الفجر، وصوت العصافير وفنجان القهوة الممزوج بحبة الهال، مع زاويته المنوعة و”السفير” كانت الدنيا تستفيق على الخبر والنور والومضات المدهشة..
من سيعيد للمبنى الذي عاند الظلم وأنار الزوايا.. من سيعيد له أناقته وإشراقته القصوى والزحمة التي كانت تلامس ادراج الرياح..
أتذكر سيدي من أحنى رؤوس الكبار، وكشف الحقائق وشرع الإنتفاضات.. من دون في زاويته الحرة مشاريع الثورة وشرع للمقاومة طريق الإنتصار.. من وقف يوم سقطت بيروت ودمرت ليرد الغاصب ويحرض على العصيان..
أنسيت أبو أحمد يوم دمرت الضاحية وحولت “السفير” الى ناطقة بالكبرياء والعظمة ووقفت لتدافع عن الكرامات..
ألآن عرفنا كم سنكون تعساء لأننا برحيلك فقدنا الروح والعزيمة وتجردنا من كبريائنا وأمالنا.. رحلت أبو احمد لتلحق بركب الراحلين من “السفير”، يوسف برجاوي وعدنان الحاج وعصام الجردي وغيرهم ممن احبوك وعاصروك..
لن نجد بعد اليوم الا الصدى والبرق المسموع وحبات المطر المحزنة وسنشتاق الى خميرة العبارات والكبرياء والغضب الساطع في الكلمات..
الوطن .. بلا السفير.. الوطن بدونك طلال سلمان.. وداعا…