هذا هو العدو. هذا هو الميدان. هذه هي المعركة.
هو واحد، وكلنا أمامه واحد: الأهالي، اللاجئون، المقاتلون، الضباط، الجنود وحتى الحرس الخاص لرئيس بلدية صور.
كلنا واحد أمام العدو: طفلنا والعجوز، الرجل والمرأة، الفدائي والعامل الزراعي، الجندي والضابط، المسيحي والمسلم، اللبناني والفلسطيني. لا يسأل عن هوية. لا يدقق في خانة الطائفة والمذهب. رصاصه كقلبه، كضميره، كالقوى التي تسانده وتحميه أو تفاوضه وتهادنه وتتخاذل أمامه: أعمى.
هذا هو العدو الواحد: بحراً جاء أو براً أو جواً، متسللاً أو مقتحماً في وضح النهار، متخفياً بملابس جنودنا أو الفدائيين أو السياح… هو هو العدو، إسرائيل، الصهيونية، الإمبريالية العالمية، الولايات المتحدة الأميركية، بالعزيز هنري فيها والرئيس المقدام المناضل من أجل السلام جيرالد فورد، وبأصدقائهما في بلادنا أيضاً.
… وهذا هو الميدان: كل نقطة تماس معه. كل أرض تطل عليه أو يطل عليها ولم يحتلها بعد. كل بيت لا نريد أن يتهدم على رؤوس أصحابه وقاطنيه، من رأس الناقورة وحتى العاقورة وبشري والقرنة السوداء… بل وحتى المدينة المنورة ومكة المكرمة.
الميدان واحد فسيح يمتد بامتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، ويتساوى فيه جميع الناس، إلا من توهم أن العرش يحميه أو أن التاج يحصن فيفحظ رأسه. والعلاقة في الميدان محددة: تهاجم عدوك فتهزمه وتحمي أرضك وعرضك والأحلام والذكريات وطموحات المستقبل، أو تدافع مستبسلاً فتصده ولو بجثمانك الأقوى من لغم، أو تغلق عليك الباب وتغرق في ملذاتك الصغيرة مفترضاً أن هذا يقنعه بمسالمتك فيتركك تعيش وتكون النتيجة موتاً رخيصاً كما الذباب.
… وهذه هي المعركة: تقتله فتحرر أرضك وتحرر إرادتك وتحرر خيالك والأماني، أو تستضعف فيقتلك وتضيف بهذا إلى قوته قوة ستحصد في الغد إخوانك وأطفالك وحتى الأجنة التي لا تزال في أرحام الأمهات.
الحوار الوحيد بينك وبين العدو كان يهدر بامتداد النهار، أمس، في صور وضواحيها: لغته الرصاص والقنابل والعبوات الناسفة والجثث المتطايرة نتفاً كما الشظايا.
أمام هذا العدو، وأمامه فقط، يصبح الجيش جيشاً قتيله الشهيد وجريحه البطل ووسامه أناشيد الفخر فيه يسمعها من إخوانه الذين لا يعرفهم،
وفي هذا الميدان، وفيه فقط، يصبح القتل رسالة والموت واجباً ويكتسب الدم قدرة السيف على الاختراق…
وفي هذه المعركة تسمق شجرة الحقيقة وتضرب جذورها عمقاً: المصير واحد، مصير الكل حتى الذين لا يقاتلون، بل حتى الذين يقاتلون المقاتلين، وما عدا هذه الحقيقة باطل وهباء وقبض الريح.
ولا وقت للبكاء، ولا مجال للبكاء، ولا داعي للبكاء: فلنستعد للجولة التالية. ولنؤكد هذه الوحدة بين الشعب والجيش والفدائيين التي لم يغفل عنها العدو يوماً، والتي ندر أن أنتبه بعضنا إليها، برغم الثمن الباهظ الذي ندفعه كلما غفلنا عنها.
لننتجه جميعاً لملاقاة العدو الواحد، في الميدان الواحد، ولنقاتل المعركة الواحدة من أجل المصير الواحد.
ويا شهداءنا من ضباط وفدائيين ومواطنين وأطفال: تحية وإلى اللقاء.