إلى طلال سلمان
فِضّتُكَ المستخرجة من دمك، ذكّرتني فضّة لوركا، وخواتم المصلين، وسوار الأم عند غوركي، وأواني الروح في بيت بوذا؛ ورأس عصا الحكمة لدى كهنة الصين؛ وسن الريشة التي رسمت الجنة لأرواح الهنود الحمر؛ ولون الصلاة في بخور اساطير اليمن؛ وشناشيل بنات غرناطة، وزينة الخيل في حلب؛ ومرصعات الرمح الذي رمت به الشمس خاصرة البحر فاستحالت نوافير دمه جزرا ملأى بشجر خوخ، وليلكٍ ياباني. ذكّرتني قلم نيرودا الذي كتب به قصيدة »فليستيقظ الحطاب«؛ وعظام بابك الخُرّميّ، وهو يخفي بدمهما بعد قطع يديه، اصفرار وجهه عند الموت. ذكّرتني الكأس التي أسكرت شاعر شنغهاي فغرق وهو يغوص في النهر على القمر. ذكّرتني منقار النسر الذي أمطرت السماء بعد ان نقر الغمامة؛ والحجر المشع الذي يقدمه ذكر البجع لأُنثاه قبل العشق.
أقول ذلك، لأن فتى اسمه طلال سلمان، فتى من السهل، سهل بعلبك، كفه في سره، وسره يرن في العتمة ولا يراه، قالت له بصارة تحت أعمدة القلعة، وهي تقرأ كفه:
في كفك خمسة أقلام: اذهب الى الورق، ليعطيك المبراة.
قال: ولكنها اصابعي!!
قالت: أعرف. فليعطِك الورق المبراة، لتكتب بدمك. لا فضة لك، الا في دمك. ولا ذهب لك، الا في دمك.
ومنذ خمس وعشرين سنة، وطلال سلمان، يَبري اصابعه، ويكتب بدمه، حتى استخرج الفضة.
أخي طلال
ظلّ مشدودا كقوس؛ شجاعا كإعصار؛ حكيما كسنديانة؛ سريعا كومض: منذور للحرية كرسول أبيض؛ معدا للأرض كالذبيحة المقدسة؛ متألقا كجملة شمس بين هلالي البحيرة والصيف؛ فارعا كأول الابجدية؛ يوميا كالرغيف؛ أستاذا كخمّار، متفائلا كالألم العظيم؛ حيا كشهيد الحقيقة؛ صارخا كيوحنا؛ مطعونا بحربة اعداء هذه الامة، كحرية مصلوبة، طُعنَت فوق ضلعين تحت القلب.
أخي طلال
صِغْ خاتماً من فضتك، ولا تفكر بأن تضعه في أية من اصابع يدك، فهي للبري لا للخواتم.
ضع خاتمك في اصبع الصحافة. فإصبعها بغير خاتم.
وعشْ،
واكتبْ.
ومن خاتم فضة إلى خاتم ذهب.
وسلامي الى دمك.
جوزيف حرب
السفير، 3131999