أهلاً.
تيمور جنبلاط يرث والده وليد.
لا جديد. لا مفاجأة. أمر عادي وطبيعي. هذا هو البلد. هذه هي السياسة وهؤلاء هم اولياء الامور، أباً عن جدود.
السلالة أقوى من الفلاسفة والافكار والاديان.
الورثة الحديثون، خريجو جامعات، طلاب علوم ومعرفة واختصاص، غير صالحة للاستعمال. انها افكار وفلسفات واختصاصات مضادة لطبيعة الكيان ولبنان. هذه المعارف الجامعية الحديثة تصلح للزينة ولسهولة التكلم، لسلاسة الحوار، لجرأة الاقامة في المقام الطائفي، وفداحة الاستيلاء على النفوس والفلوس، ولتبرير الارتكاب.
ولكنه ارث ثقيل ومحفوف بالدم. ماضيه موغل في القدم. يقال: لبنان بدأ “بجبل الدروز”. الموارنة لا يقبلون: لبنان بدأ منذ الازل، من قبل فينيقيا حتى. جدل بيزنطي في تأصيل الكيان المتهالك. لا اصالته تنفعه ولا ازليته كذلك. انه أضعف من أن يكون ابن امسه وأخطر من أن يكون غداً. هو الآن مرشح للإقفال او الفراغ او العبث.
ولكنه ارث ضروري لإقامة التوازن، بين ورثة العائلات السياسية المذهبية السائدة. دعائم الكيان هم الورثة الشرعيون. شرعيتهم مستمدة من جماهير تزحف للتسليم والمبايعة إلى ولد الولد… إلى الابد.
ولكنه ارث يشد لبنان إلى الخلف. فبسبب هذا التقليد المتخلف، المؤّيد من ألوف، بل عشرات الالوف المتخلفة، برغم علمها ومعارفها واختصاصاتها، بسبب ذلك، لبنان مقعد، مخلع، ويكاد ينفق. لا ديمقراطية البتة مع عقيدة الارث السياسي. لا وطن كذلك. لا دولة ايضاً وايضاً. كل العدة السياسية هي “خردة”. أفدحها، خردة الطائفية وخردة الوراثة السياسية. لذلك، لبنان القرن الواحد والعشرين، لا شبيه في سوئه، بين لبنانات القرن الفائت. وواقع الحال راهناً، خير برهان، برغم الضجيج الفلتان، عن الاصلاح والتغيير وبناء الدولة… ثقوا: لا دولة بلا انسان حر. الطوائف سجون وسيعة، والسجناء مؤمنون مخدوعون بسراب الانتماء، وخائفون من الآخر، خوفهم من عدو مقيم.
هل كان لتيمور أن يختار؟
ابداً. الطريق الذي سيسلكه، طريق باتجاه واحد، ولا يتسع الا له ولأمثاله. علمه، ثقافته، حداثته، نظرته للأمور، شبابه المنفتح على أحدث ما في العصر، سياسياً وبيئياً واقتصادياً وانسانياً، هي خبزه اليومي،عندما كان بعدُ بعيداً عن الاستحقاق التوريثي. انه شاب ينتمي إلى عصره… لكن غده ليس جديداً. غده نسخة عن ماضيهم. لا يمحى الارث ابداً. الشعوب المتخلفة تقتات من ذاكرتها فقط. الشعوب المتقدمة – الحديثة، لا يشفي غليلها غير الحلم بالمستقبل. اجيال تحلم بما بعد اليوم دائماً… مكتوب على قادة الطوائف الا يحلموا الا بكوابيس الدم… خطاب وليد اغريقي ومأساوي. بعد كل دم، علينا أن نحلم بسلم. السلم هو ابن الدم. سيزيفي هذا البلد. شديد الالتصاق بالهاوية، ومكتوب عليه أن يحمل الصخرة الى القعر دائماً.
أهلاً.
تيمور جنبلاط يدخل المشهد ويجد أن من معه مثله، كثيراً او قليلاً. هو اكثرهم تأصيلا. انموذج يُحتذى. الرئيس ميشال عون لم يشذ عن القاعدة. جبران باسيل “وحيده”. سعد الحريري ورث دم ابيه وكنيته السياسية وان قصّر في ماليته من بعده. نبيه بري على الطريق، سمير جعجع قطع نصف الطريق. ولا غرابة أن تكون هذه السلالات مخضبة ماضياً بدمائها ودماء خصومها.
لا يتوقع أن يخرج أحد عن هذا الصراط العاقر. لا أحد يرث ويدمر فكرة الوراثة ويوقف سيلانها المؤذي. لا اسكندر عندنا يرث فيليبس المقدوني. لا احد بعد. ولن…
اذا لم يكن ذلك كذلك، فليخرج واحد فقط عن ارثه، ويرسم بخطواته طريقاً إلى دولة عادلة ومجتمع حر ومواطن مسؤول وديمقراطية سليمة.
مثل هذا، اضغاث احلام.