بدأت أمس الأول، عروض مسرحية أجزاء التي بناها المخرج الشاب أمجد طعمة على مجموعة أفكار لطلال سلمان منشورة في هوامش جريدة كما قال في دليل العرض. والمقصود ب الأفكار هنا هو ذلك المقطع الأخير في ال هوامش المعنون ب من أقوال نسمة . فالمسرحية تعرض لثلاثة أزواج، ثلاث ثنائيات عاشقة، ثنائي للفصحى (أداه أيهم مجيد آغا ولمى حكيم) وفيه خواطر سلمان، وآخر لمحكية سورية (رغدا شعراني وشادي مقرش) والثالث لراقصين (هما لاوند هاجو ولميس منصور) موزعين بين مقاطع الفصحى والعامية، ولكن ليحكيا فقط بلغة الرقص.
أقوال نسمة ، تلك الأقوال الهامسة والمُحبة، والتي يطلّ فيها طلال سلمان أديباً رفيعاً إلى جانب الصحفي المخضرم الذي نعرف، قيلت بشيء من الصخب وبأداء متوتر ومشحون عاطفياً، من دون أن يكون العرض قد ركّبها في حوار درامي، أو سياق أو شخصية، وفي الأساس لا شخصيات في العرض، بل حالات من العشق موزعة على لوحات ومقاطع تمثيلية تحكي عناوين مختلفة؛ أوجاع الحب، الشك، الرغبة، الخيانة، المغفرة، التردد، وسواها من حالات. ولعل تكرار الثنائيات هنا يذكر المرء بفكرة عرض الفرنسي جان كلود غالوتا 99 ثنائياً الذي قدمّه في دمشق في شباط ,2005 والذي راح يقدم تنويعات لا حصر لها لثنائيات عاشقة، ولأحوال العشق. غياب الدراما في ثنائيّ الفصحى جعل المشاهد يتساءل مراراً عن سرّ النزق غير المفهوم في أداء أيهم الآغا، مثلما كنا نجد في ثنائي العامية حشداً مبالغاً به من الكلام والتوتر في أداء مقرش.
يريد المستوى العامي في العرض أن يرسم مشهداً واقعياً للحب، ولذلك اتسم أداء الممثليْن بالواقعية، بلغة أقرب إلى لغة الشارع والحياة، حتى حركة الممثليْن بدت وكأنها تتوخى حركة واقعية، فيما حركة ممثليْ الفصحى أقرب إلى حركة حالميْن، الأداء الحركي لديهما مضبوط كتصميم، فالقول هنا أدب، معادل أدبيّ لثنائيّ العامية، والفرق بين الأداء هنا وهناك كما لو كان المحب هو نفسه مرة في الواقع، ومرة في دفتر المذكرات، بل ان ذلك الدفتر يظهر فعلاً بيد العاشقين، ليصير موضوع جدل بينهما.
البناء
طريقة بناء العرض هي امتداد لتجارب سورية شابة عديدة اتخذت نظام اللوحات المنفصلة نموذجاً، حيث لا ناظم حكائياً، ولا دراما تضبط السياق. و أجزاء ، واسمه قد يوحي بقصدية اقتطاع مشاهد متناثرة من سيِر وأحوال العشاق، لا يخرج عن ذلك النظام. ليس الشكل وحده كذلك، فالموضوع، الحب، هو أيضاً شبابيّ بامتياز.
خشبة المسرح هي فضاء مكشوف، من غير كواليس، والممثلون على الخشبة طوال العرض. بقعة ضوء على واحد من الثنائيات، والبقية على كراسيهم في عمق المسرح، بإنصات حيناً، وبتعليقات حركية أحياناً أخرى. كان الأزواج يتناوبون اللعب، والروي، أو الرقص، ولقد قدّم لاوند هاجو مع شريكته الراقصة لميس منصور رقصات فاتنة حقاً، بدت وكأنها هي بالذات ما يضبط إيقاع العرض. فضاء الخشبة مرسوم كما لو أنه يريد أن يقول شعراً (ولعله لا ينوي أن يقول دراما)؛ ستائر زرقاء شفافة معلقة في سقف وخلفية المسرح، كرسيان متقابلان، لأحدهما مسند على هيئة ذؤابة شمعة، بينهما طاولة بكأسين وشمعة حمراء مشتعلة، جانباً مقعد طويل كمقاعد الحدائق… لكن كل ذلك بدا رسماً جميلاً أكثر من أن يكون مسرحاً، رسماً يريح العين ويسرّها، أكثر من أن يحاورها.
يريد العشاق في مسرحية أجزاء التأكيد على استمرار حكاياتهم، كما التأكيد على واقعيتها، لذلك كانت تحية الجمهور في ختام العرض ممسرحة هي الأخرى. تحية، ثم يعود الممثلون إلى مواقعهم كعشاق موزعين على المسرح، ثم ليدخل المخرج، وهو ممثل سابق، يحيّي، يطفئ شمعة العرض، ثم، وبعد إعتام قليل، يظهر وحيداً على مقعد في حديقة، وحيداً بخلاف تلك الثنائيات العاشقة. مشهد يريد أن يروي قصة أخرى عن العشق، العشق الذي لا يصل، ولكن يريد المخرج عبره أيضاً أن يوقّع عرضه كما جرت العادة في أفلام سينمائية عديدة شاهدناها من قبل.
صورة العشق على الخشبة مشهد محبوب للمشاهدين، وكلام الحب مصغىً إليه أينما حلّ، وكذلك تلك الموسيقى الرومانسية الناعمة، والستائر الزرقاء، والشموع، ورقص العاشقين، فهل تكفي تلك المفردات لتصنع مسرحاً؟ ربما أراد العرض أن يكون احتفالاً بعيد الحب، وتوقيت العرض ليس بعيداً عن الفالنتين ، ولكن المسرح أمر آخر، وهو يستحق احتفالاً من نوع آخر.
(دمشق)
راشد عيسى
السفير، 2322008