آن أن يتوقف الجدل الصاخب حول المحكمة الدولية! فموضوعها كما ثبت بالدليل الحسي أمس لم يكن في لحظة مسألة خلافية، في المبدأ.. أما تفاصيلها فموضوع نقاش مستفيض: أولاً لأنها سابقة دولياً، ثم لأن مسودتها الأولى قد استغرقت صياغتها شهوراً طويلة، ولأن مسودتها الثانية قد استدعت رحلات متعددة لأهل القانون، الدوليين منهم والمحليين، بين بيروت ومقر الأمم المتحدة في نيويورك للتعديل أو التصحيح أو الاستدراك، أما المسودة الثالثة فما تزال غير نهائية بدليل تسميتها ، مما قد يستدعي التحفظ أقله حتى الصياغة النهائية.
أما وقد أقر مجلس الوزراء بثلثيه زائد اثنين (إذا كان هذا يرضي أهل الأكثرية) النسخة الثالثة المعدلة من المسودة في جلسته التي اعتبرها البعض تاريخية، أمس، برغم ما رافقها من جدل سياسي يتلبس لبوس الفقه القانوني أو الدستوري، فقد بات بالإمكان أن نلتفت إلى ما يتهدد لبنان، بمواطنيه جميعاً، أكثريين و أقلويين ، وما تبقى من مؤسساتهم ومن اقتصادهم ومن ضمانات السلامة لبلدهم الصغير في غدهم القريب..
وأول ما يجب الالتفات إليه ما تضمنته النصائح السلمية التي استقبل بها الرئيس الأميركي جورج بوش ضيفه الحميم وصديقه الأثير رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية على لبنان، إيهود أولمرت، في زيارته الاستثنائية وهي الثانية خلال خمسة شهور والتي كان لبنان بين بنودها الأساسية.
أبلغ بوش ضيفه أولمرت ما مفاده: إن تحديات خطيرة في انتظاركم، في ضوء نتائج حرب لبنان، عليكم الانتباه لمسألة تدريب قواتكم .
ولمزيد من التحديد والتدقيق أضاف بوش مخاطباً أولمرت: نحن نزودكم بالأسلحة والتكنولوجيا .
ما يكمل المعنى جاء في رد أولمرت على مضيفه إذ قال: إننا متأثرون جداً ومقدّرون بشدة الاستقرار الذي حققته العملية الأميركية الكبرى في العراق في الشرق الأوسط.. إننا نصلي ونأمل بأن تنجح هذه السياسة بالكامل، بحيث إن هذا الاستقرار الذي تحقق لجميع الدول المعتدلة في الشرق الأوسط سيتواصل .
ليس أوضح من الرسالة الأميركية إلا الجواب الإسرائيلي عليها.
فإذا كان جورج بوش يؤنب ضيفه العزيز أولمرت على إخفاقه في حربه على لبنان، فإنه يستدرك ليؤكد له أنه سيعوضه خسائره التي تكبدها من دون أن يستطيع تحقيق أهدافه المقصودة، لعله يحققها في حرب مقبلة!
بالمقابل فإن أولمرت الذي فهم التأنيب رد منوهاً ب نجاحات جورج بوش في حربه على العراق وشعبه، ولا سيما في الاستقرار الذي تحقق في المنطقة لا سيما لدولها المعتدلة، والذي يصلي من أجل أن يتواصل!
إنهما يأكلان لحومنا نيئة: كل منهما يؤنب الثاني على فشله ، ولكنهما معاً يتعاهدان على أن يواصلا الحرب على شعوب هذه المنطقة من أجل توطيد الاستقرار وتثبيت دعائم الاعتدال .
هل آن أن نلتفت إلى ما يدبّر لنا، في لبنان والمنطقة بأسرها، أم سنظل مشغولين بمنازعاتنا وخلافاتنا التي تضرب أسس المناعة فينا، وتضيّع علينا حتى ما حققناه من صمود مجيد بدمائنا الزكية وبتضامننا الشعبي الرائع، بحيث إن الرئيس الأميركي يعيّر ضيفه بطل الحرب الإسرائيلية على لبنان بفشله فيها، فيرد عليه الضيف برغم حاجته إليه فيأخذ عليه نجاحاته الهائلة في العراق؟
إنهما يأكلان لحومنا نيئة… فهلا كففنا عن الاشتباك والتفتنا مجتمعين إلى ما يدبر لنا في غدنا… ومع الأسلحة والتكنولوجيا الجديدة التي ستقدمها إدارة بوش المهزومة أميركياً (بعدما اغتالت دولة العراق) إلى حكومة أولمرت المهزوزة إسرائيلياً لفشلها العسكري (برغم ما قامت به من تدمير للإنسان وأسباب العمران في لبنان)؟!
أليس ذلك أجدى من الاشتباك حول الأثلاث في الحكومة: نتنصل من مسؤولية الانتصار الوطني لنغرق في مستنقع النكايات والكيديات والانشقاق ونكاد نذهب إلى التيه.. بأقدامنا؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان