غزة ـ حلمي موسى
في اليوم الخامس والأربعين بعد المئة، يحدونا الأمل بأنّ نهاية الغمة وشيكة وأن الفرج قريب، وكلنا ثقة أن العدوان سينكسر، وأن الاحتلال الى زوال.
***
أثار التصريح المتفائل للرئيس الأميركي جو بايدن حول اقتراب الإعلان عن اتفاق لتبادل الأسرى وهدنة في غزّة، ردود فعل متناقضة لدى طرفي الصراع. وفيما رأى كثيرون أن موقف بايدن هو أقرب إلى “رغبة” تبذل الإدارة الأميركية جهدا كبيرا من أجل تحقيقها، وخصوصا بالضغط على إسرائيل، قال آخرون أنها تعبر عما وصلت إليه المفاوضات فعلا بين الطرفين.
وعلّقت أوساط إسرائيلية على تصريح بايدن بقولها إن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو “تفاجأ” بإعلان الرئيس الأميركي الذي سبق رد حماس الذي مازال غير واضح حتى اللحظة.
ومع ذلك، يقرّ كثيرون بأن تفاؤل بايدن له ما يبرره، وبأن التصريحات الفلسطينية قريبة أيضا من التفاؤل، وأن العقبة مازالت تكمن لدى الجانب الإسرائيلي الذي تمارس إدارة بايدن ضغوطا عليه.
وكشف المراسل السياسي لموقع “والا”، باراك رافيد، في مقابلة إذاعية، أن الرئيس الأميركي يمارس ضغوطا على نتنياهو في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، معتبرا في الوقت ذاته أنه “من المستحيل فرض اتفاق على إسرائيل، حتى لو أوقف جو بايدن جميع المساعدات العسكرية لإسرائيل غداً، فأنا لست متأكداً من أن ذلك سيؤدي إلى وقف إطلاق النار”.
أضاف “لذلك، لا أعتقد أن هناك نية هنا للإملاء، بل هناك رغبة في تشكيل ديناميكية معينة. رسالة بايدن الأوسع تكمن في ما سيحدث إذا توصلنا إلى وقف إطلاق النار – فهذا يفتح باب العديد من الفرص العظيمة أمام إسرائيل، مثل السلام مع السعودية”.
إلّا أن رافيد أعرب عن تشاؤمه بشأن قدرة نتنياهو على قيادة تحركات مماثلة داخل حكومته “لذلك، فقد وصلنا إلى مرحلة اليقين أنه مع هذه الحكومة، سيكون من الصعب رؤية كيف يحدث ذلك، وبالتالي فإن إسرائيل معرضة لخطر فقدان الدعم الدولي”.
أضاف “ربما يقول كثيرون أن هذا حدث بالفعل، وقد خسرت إسرائيل في الواقع جزءً كبيرا من الدعم الدولي. وحتى الآن، مازالت إمكانية إحراز تقدم تبتعد أكثر فأكثر”.
وكان الرئيس الأميركي قد أعلن في مقابلة مع شبكة NBC، أنه إذا واصلت “الحكومة المحافظة جدا في إسرائيل، مع بن غفير وآخرين، سلوكها نفسه، فإن ذلك سيضر بالمصالح الإسرائيلية، ويمكن أن يتسبب في خسارة إسرائيل لدعم العالم”.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الرئيس الأميركي يهاجم الحكومة الإسرائيلية بشدة، ويذكر على وجه التحديد الوزير إيتمار بن غفير الذي سبق أن هاجم بايدن وامتدح منافسه الجمهوري دونالد ترامب.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد أجرت مقابلة مع بن غفير في مطلع الشهر الحالي، انتقد خلالها بايدن قائلا أنه: “بدلاً من أن يقدم لنا الدعم الكامل، فإنه مشغول بتقديم مساعدات إنسانية ووقود لغزة – تذهب لاحقا إلى حماس”، مضيفا أنّه “لو كان ترامب في السلطة، لكان سلوك الولايات المتحدة مختلفا تماما”، بمعنى أنه كان منح إسرائيل حرية أكبر لقمع حماس.
واعتبر بايدن، في مقابلة أمس الأول، أن وقف إطلاق النار في غزة سيمنح الوقت للتحرك في الاتجاه نفسه الذي تستعد دولا عربية للتحرك فيه، مضيفا أن السعودية “مستعدة للاعتراف بإسرائيل. وهناك ست دول عربية أخرى مستعدة لذلك”.
واعتبر أن “خلاصة القول هي أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستنقذ إسرائيل في النهاية – وأنا تعرضت لانتقادات لقولي إنه ليس من الضروري أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا. أنا صهيوني، ولكن هذا هو الأمر: إنهم بحاجة للاستفادة من دعوات السلام والأمن الموجهة للإسرائيليين، وكذلك للفلسطينيين، والتي تستغلها حماس”.
أضاف أنه “إذا حققنا وقفا مؤقتا لإطلاق النار، يمكننا التحرك في اتجاه تغيير الديناميكيات. ليس لتحقيق حل الدولتين على الفور، بل الشروع في عملية تقودنا إلى حل الدولتين، وذلك لضمان أمن إسرائيل واستقلال الفلسطينيين من دون أن يتمكنوا من تهديد إسرائيل”، معتبرا أن “هناك طرقا للقيام بذلك”.
إلا أن عددا كبيرا من الإسرائيليين يعتبرون أن تفاؤل بايدن حول تحقيق انفراج في المفاوضات بحلول يوم الإثنين المقبل، مبالغ فيه بالفعل، لكنه في الوقت عينه ليس منفصلا تماما عن الواقع، حيث بنى كلامه على التقارير التي تلقاها من وكالة المخابرات المركزية ومستشار أمنه القومي، والتي تفيد بأنه تم إحراز بعض التقدم في المحادثات.
والأمر شبه المؤكد هو أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق بحلول يوم الاثنين المقبل، إلّا إنه ليس من المستحيل أن يتم التوصل إلى اتفاقات في الأيام التي تليه، حتى قبل حلول شهر رمضان.
ووفقا لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، يشهد المطلعون على المفاوضات أن مستوى تقدمها يقع، في الواقع، في مكان ما بين التفاؤل الأميركي الكبير وبين التصريحات اللاذعة لكبار مسؤولي حماس، الذين أكدوا أن الحركة تشعر بخيبة أمل من خطة باريس.
وقالت الصحيفة أنه مع أن الوسطاء قاموا بصياغة الخطوط العريضة للمحادثات بناءً على ما تم الاتفاق عليه مع حماس مسبقاً، الأمر الذي أعطى نوعاً من الجواب الإيجابي على الإطار الواسع، لكن حتى الآن، لم تقدّم قيادة حماس في قطاع غزة إجابات تتعلق ببعض عناصر الصفقة، وبالتالي مازال من المبكر معرفة إذا كانت ستُبرم أم لا.
وأشارت “يديعوت” إلى أنه من السابق لأوانه اعتبار أن المحادثات كانت إيجابية، إذ أن هناك تفاصيل لا بد من انجازها، وتقوم فرق العمل الإسرائيلية بالعمل عليها حاليا في الدوحة بشكل مباشر مع كل من ممثلي مصر وقطر والولايات المتحدة.
وأوضحت الصحيفة أن “حماس لم تقدم بعد ردا على تنفيذ أجزاء كاملة من المخطط، فالطريق طويل وصعب، لكن الوسطاء والمطلعون على المحادثات يقولون إن هناك شعورا بالتقدم الحذر، إلى جانب تحديات كبيرة في المستقبل القريب، حتى أنه تم إنشاء غرفة عمليات خاصة في الدوحة لغرض معالجة المعلومات الاستخبارية وتوفير الإجابات، وتشكيل النسيج الدقيق للاتفاق، في البنود والتفاصيل كلها التي يتضمنها.” وتأمل الوفود التوصل إلى اتفاق قبل شهر رمضان.
وكانت وكالة “رويترز” قد نشرت صباح أمس (الثلاثاء) تقريرا عن اقتراح تمت صياغته في محادثات باريس، وعرض على حماس، لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
ونقلت الوكالة عن “مسؤول كبير مطلع على تفاصيل المحادثات” أن الاقتراح يتناول المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الذي يستمر أربعين يوما، ويتضمن إطلاق سراح عشرة أسرى فلسطينيين مقابل كل مختطف إسرائيلي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة، بحسب التقرير، أعلى بكثير من تلك التي كانت محددة في الصفقة السابقة، والتي كانت تتمثل في إطلاق سراح مختطف واحد لكل ثلاثة أسرى.
ويتناول الاقتراح يتناول المرحلة الأولى من الهدنة، في حين يتم تحديد تفاصيل المرحلة الثانية في مفاوضات لاحقة. وتشمل المرحلة الأولى إطلاق سراح 40 أسيراً من المختطفين المدرجين في الفئة الإنسانية (النساء والمختطفين الذين تبلغ أعمارهم 19 عامًا أو أقل، والبالغين الذين تبلغ أعمارهم 50 عامًا أو أكثر، والأسرى المرضى)، مقابل إطلاق سراح نحو 400 أسير فلسطيني من معتقلات العدو، من بينهم معتقلين “وازنين” وبعضهم ينتمي إلى حركة حماس.
وينص الاقتراح على وقف إطلاق النار بشكل كامل من الجانبين لمدة أربعين يومًا، وتوقف الدوريات الجوية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة لمدة ثماني ساعات يوميًا. ويتناول الاقتراح المقدم إلى حماس أيضًا العودة التدريجية لجميع النازحين الفلسطينيين إلى شمالي قطاع غزة– باستثناء الرجال الذين هم في سن التجنيد العسكري. وبعد بدء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، تقوم إسرائيل بسحب قواتها من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في القطاع.
وفي ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية وإعادة إعمار قطاع غزة، يتضمن الاقتراح الالتزام بإدخال خمسمئة شاحنة مساعدات إنسانية يوميا، وتوفير مئتي ألف خيمة وستين ألف كرفان للذين دمرت قوات الاحتلال منازلهم. كما سيُسمح لسكان غزة بإعادة تأهيل المستشفيات والمخابز، وإدخال المعدات الأساسية وتوفير شحنات الوقود لهذا الغرض.
كما من أنه تم الاتفاق على أن توافق إسرائيل على إدخال آلات ومعدات “ثقيلة” إلى غزة تسمح بإزالة الأنقاض وتقديم المساعدات لأغراض إنسانية مختلفة، مع توفير الوقود اللازم لذلك.
بدورها، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الاقتراح سيسمح بالإفراج عن خمس مجندات و35 مدنياً، بينهم جرحى. ومن بين الـ 35، هناك سبع نساء ترى إسرائيل أنه كان ينبغي إطلاق سراحهن في صفقة المختطفات في تشرين الثاني الماضي، ولذلك فقد عرضت من أجل إطلاق سراحهن، إطلاق سراح 21 فلسطينيا من سجونها: بنسبة 1 إلى 3، كما كان الحال في الصفقة السابقة.