يبدو المشرق العربي في هذه اللحظات، وبأقطاره كافة، قِطَعاً من “الدومينو” لا يجمعها جامع او رباط من الاخوة ووحدة المصير:
1 ـ لبنان بعيد عن سوريا حتى لا يكاد يراها، وتكاد وهي غارقة في دمائها لا ترى ملامح غدها بالوضوح الكافي، ولكنها ترى لبنان بوضوح، فهو ملجأ للنازحين منها سواء نتيجة للحرب فيها وعليها، وهي خطيرة سياسياً واقتصادياً.. ثم انه المعبر الاجباري منها واليها.
2 ـ لكأن الجغرافيا ووشائج الاخوة والمصالح المشتركة قد تهاوت، وباتت سوريا، التي تتعرض كهدف يومي، لغارات العدو الاسرائيلي، من الجو ـ عبر لبنان ـ أو من البحر، عبر قبرص، او بالصواريخ عابرة القارات التي لا تبخل بها عليها الولايات المتحدة الاميركية، مباشرة او عبر مساعدتها على تصنيعها.
كذلك فان “السلطان” التركي اردوغان قد اقتحم الحدود مع سوريا بذريعة مقاتلة الأكراد داخل الارض السورية، والى جهنم روابط الخير واخوة الدين.. “فالسلطان” الذي يرى تركيا ضيقة على نزعته الامبراطورية يحاول الافادة من تمزق ليبيا التي جعلها القذافي “جماهيرية” وأفاض خيرها على دول كثيرة ولكنه “نسي” شعبها فأهمله حتى ثار عليه وادخله التاريخ من الباب الخلفي.. وهكذا يقرر السلطان أن ليبيا بعض التركة السلطانية فيقرر ارسال وحدات من جيشه، مقدمة لاستعادة امجاد السلطنة التي شبعت موتا، لكن السلطان يريد بعثها من جديد.
3 ـ واما العراق فان ترسبات عهد صدام حسين الذي جاء إلى السلطة بالدم والاعدامات الجماعية للعسكريين والمدنيين في ساحة التحرير، فانه ظل يقامر بجيشه الكبير، مقاتلا إيران في البداية، محتلاً الكويت بعدها، حتى جاء الاميركيون بعسكرهم ومعهم “التحالف العربي” ليغطي هذا الاستعمار الجديد الذي سيتمدد ليشمل ارض الرافدين جميعاً، ولينهى صدام حسين إلى الشيعة لكي يعدموه فتكون فتنة لا تنتهي.
4 ـ وأما مصر فقد حاصرها انور السادات بمعاهدة كامب ديفيد في منتجع الرئاسة الاميركية في كامب ديفيد مع العدو الاسرائيلي، وهي المعاهدة التي افقدتها موقعها القيادي، عربياً، وبالتالي دورها الدولي، مما عرضها لمقاطعة عربية وخسارة دورها القومي كرائدة لقضية الوحدة بعنوان تحرير فلسطين.
وكان منطقياً، بعد خروج مصر من موقعها كرائدة للنضال العربي من اجل الوحدة والتحرير، أن يتعاظم الاختراق الاسرائيلي للوطن العربي، فيعترف ملك الاردن (الذي ابتدعت امارته التي غدت مملكة على حساب فلسطين) بالكيان الاسرائيلي ويلتحق بمصر السادات في التوقيع معاهدة الاذل والتبعية.
وكان منطقياً، ايضاً، أن تفقد سوريا دورها الريادي، بوصفها مشعل الوحدة العربية، وان تنشغل برد الاعتداءات الاسرائيلية والتركية، في الجو والبر، من دون أن ننسى العصابات المسلحة التي انشئت برعاية الاميركيين والاتراك، ففصلوا بعض الشمال السوري عن سائر الارض الوطنية متخذين من ادلب عاصمة لتلك العصابات..
واذا كان الجيش السوري قد استطاع بمساعدة الروس، استعادة معظم الارض التي كانت محتلة، فان معركة ادلب التي تبدو قريبة ستساعد سوريا على استعادة ارضها ودورها الحيوي جدا في خدمة امتها، بوصفها قلب العروبة النابض، كما كانت توصف عبر تاريخها الحديث.
ليست الصورة قاتمة تماماً ففي الافق بشائر مفرحة باقتراب موعد التغيير نحو الافضل:
ـ هذه تونس قد استعادت، في قلب الصعب، نظامها الديمقراطي وانتخب شعبها رئيسا يمكن اعتباره قدوة وبشرى خير بالمستقبل الافضل.
ـ وهذه الجزائر قد اسقطت عهد الطغيان، زمن بوتفليقة واقاربه الكثر الذين استولوا معه وعبره على السلطة في بلاد المليون شهيد، وقد دفعها شعبها عبر جهاده غير المسبوق في زمنه ككلفته لاستعادة هويتها الاصلية والتخلص من الفرنسة التي فرضت عليها أكثر من مائة عام.
ـ وها هو شعب السودان يستعيد بلاده من الماريشال الذي حكمه ـ من دون اهلية ـ لمدة اطول مما يجوز ..
مع التمني أن يدوم الوفاق بين قواه السياسية وضباط جيشه فلا تفسده الدولارات الخليجية وتعطى السودانيين فرصة لإعادة بناء بلاد النيلين (الازرق والابيض)..
ـ واما لبنان فان الانتفاضة الشعبية الرائعة التي يعيشها شعبه، بمختلف فئاته (طوائفه ومذاهبه) تتقدم في قلب الصعوبة، نحو تحقيق اهدافها في التخلص من هذه الطبقة السياسية الشرهة والتي لا يشبعها نهب موارد البلاد ومواطنيها، بل انها تتصدى لإدامة حكمها وهيمنتها وتعزيز الانقسامات الطائفية والمذهبية.
ولقد أكدت جماهير اللبنانيين انها اعظم وعياً وأكثر ثقافة ومعرفة بالعصر، واشد ارتباطاً بالأرض، واعرق وطنية من أن تفرقهم الطائفية والمذهبية.. فكلهم يحتاج إلى توكيد ايمانه بوطنه وبحقوقه فيه.
وسنظل على ايماننا بأن غدنا سيكون أفضل، بشهادة هذه الانتفاضات المتوالية في مختلف انحاء الوطن العربي.
وكل عام وانتم بخير..