في سلسلة لا تنتهي يمسك الشهيد يد الشهيد، ينزع عنه بدءاً كل عناوينه من دين وطائفة ومعتقد، ويشد على يديه: أهلا في مملكة الشهداء، كيف فلسطين؟
قد تكون البداية في العام ١٩٤٨ وقد تكون قبلها، لكننا لازلنا نضيف إلى السلسلة أسماء وعناوين. من غسان كنفاني إلى أبي حنظلة، ناجي العلي، ومن أبو جهاد إلى أبو إياد إلى أبو عمار، ومن أحمد ياسين إلى الرنتيسي وبين الأسماء المعروفة كمٌ من المجهولين والناس الطيبة تذهب إلى سمواتها أشد بياضاً من الطحين.
قبل الشهادة، كان اسماعيل هنية فلسطينياً غزاوياً من قيادات حماس، بعدها أصبح إسماعيل هنية ابن فلسطين الذي دفع ثمن حصته من الأرض نقداً ودماً من أبناءه ومن نفسه. دخل في جوف الأرض المنكوبة لا يغادرها. طهوراً كُنْ يا ابن فلسطين.. فلسطيناً كُنْ يا ابن فلسطين.
في حياتك، لم يكن لي ولا علي أن أحبك أو أبغضك، وليس علي هذا في استشهادك. علي وحسب، إرثُ الأرض وحِملُ الذاكرة، وعليَّ الصوت إذ يرتفع: حيّ على الشهيد ابو الشهيد أخو الشهيد..
ثم ماذا يغير هذا الموت في معادلة الموت الغزاوي الكبير؟ من هناك لم يقربه ومن هناك بمنأى عنه؟
عندما استتب الأمر للكاوبوي الأبيض في القارة الجديدة، وبعد أن أباد هنود الأرض الحمر، عرض على الباقين،ظلماً واجحافاً، الاستسلام في مستوطنات مسوَّرة، فإن التزموا سلموا وهكذا كان.
لا يملك الفلسطيني حتى هذا الترف، وليس له الأمان ولا بأي مكان. التطرف التوراتي المدعوم ايدولوجياً يريد الأرض دون من فيها، وليس للفلسطيني إلا الاندثار… لا خيار إذن ولا ضرورة لإختراع البطولة، هو طريقٌ وحيد: البقاء وإن على ظهر غيمة تضمن عدم انقطاع السلسلة. هكذا كان وهكذا اليوم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا…
لكن الموت الفلسطيني، وهو غزاوي اليوم، يرسمنا، وهو يشهد بنا علينا مع كل شهيد وكل دمار وكل صمت متواطئ. وسنقول أن فلسطين أكبر من أن تندثر فهي تقطن الضمائر وإن نائمة وهي تقطن القلوب وإن متقيحة. هي عجزنا وإرادتنا معاً وهي وحدها تحمل كل القهر الممتد على امتداد البلاد من نجدٍ إلى يمنٍ ومن مجدل شمس إلى بيروت ومن تخوم رفح إلى زهرة المدائن.
جلَّ جلالكِ فلسطين