العنوان دمشق لكن المهمة إسرائيلية،
… ويستطيع وزير الخارجية الأميركية أن يزعم الآن أنه قد حقّق مهمته بنجاح:
لقد أراح حكومة إسحق رابين من »الشغب« المصري والذي برغم أنه ظلّ محدودù ومنضبطù إلا أن تداعياته أوحت باحتمالات خطرة تتجاوز القدرة على ضبطها، عربيù وإسلاميù (وأوروبيù بالاستطراد)..
ثم أنه أعاد فرض الهدوء الصارم على ياسر عرفات وسلطة شرطته في غزة مستخدمù أسلوب التهويل القديم إياه: السوريون قادمون فاحفظ نفسك وإلا!!
وكان طبيعيù أن يختم جولته المتعبة لدى الصديق المريح الملك حسين الذي اكتشف الآن أن »عرفات هو أخي«، مؤكدù له متانة جبهة الموقّعين في مواجهة الامتناع السوري عن التوقيع!
ثلاثة أصوات »عربية« في صندوقة الاقتراع الإسرائيلية لمصحلة إسحق رابين وحزب »العمل« الممسوك بالقبضة الأميركية،
أما في »الداخل«، فإن السفير الاستثنائي مارتن أنديك يدوس على عواطفه الليكودية مغلّبù عليها المصالح الأميركية، فيعمل على إتمام الانشقاق بلا ألم في قلب تجمع الليكود، لكي يضمن »الصوت الإسرائيلي« في الانتخابات الأميركية لمصلحة رئيسه بيل كلينتون، »الذي أعطى إسرائيل ما لم تكن تحلم به، والذي ما كان أي رئيس أميركي آخر ليعطيها إياه«..
العنوان دمشق، لكن شبح العصا يطلّ من خلف الجزرة،
فكريستوفر مستعد لأن يأتي بكلينتون إلى دمشق بشرط أن تعطي دمشق سلفù صوتها (والكثير من حقوقها) لرابين، ليصبح قويù بما يكفي لضمان الفوز بولاية رئاسية جديدة لكلينتون المهدَّد الآن عن يمينه،
وشاحاك يحزم حقائبه ليذهب إلى واشنطن، ولكنه يبعث بفاتورة الزيارة سلفù: إنه يريد مليارين ونصف المليار دولار ثمنù للقائه العماد حكمت الشهابي، فالتعويض يجب أن يسبق الحديث عن الانسحاب، حتى »ولو كان محدودù جدù مقابل تطبيع كامل« كما يقول إسحق رابين.
ثقيلة جدù هي »الضغوطات« التي تمارسها واشنطن على تل أبيب!!
ودمشق التي لا تستطيع رفض الدعوة الأميركية تحاول أن تستبقي »الصوت العربي« في الانتخابات الإسرائيلية، بداية، ثم في الانتخابات الأميركية، »كوديعة لأجل«، تستخدم في توقيتها الصحيح وفي المكان الصحيح، ولا تهدر سلفù ومقابل وعود لا يستطيع أن يفي بها من يطلقها،
فليس »السلام« مهمù لكلينتون إلا كورقة انتخابية، وبالتالي فالتوقيت أهم من المضمون،
وكلينتون هو المهم بالنسبة لإسحق رابين، بوصفه الصوت الأميركي المرجّح في الانتخابات الإسرائيلية، وليس »السلام« بذاته،
مَن يراهن على وعود انتخابية؟!
وهل من الفطنة تعليق مصير أمة بكاملها على وعد انتخابي من المألوف أن يتبخّر مع إعلان النتائج وقبل أن يستقر الفائز على »العرش«؟!
العنوان دمشق، والمهمة إسرائيلية،
وليس مستبعدù أن يكون »الموقِّعون العرب« قد وفّروا فرصة النجاح لهذه المهمة شبه المستحيلة، لخوفهم من دمشق إذا ما حقّقت »سلامها« وبشروطها،
فلقد بات إخفاق دمشق شرط حياة لأولئك »العرب« الذين انحازوا إلى الجبهة الإسرائيلية ويتولّون الآن مهمة الدفاع عن »الاحتلال« بوصفه »السلام« لجميعهم!!
الإنجاز الإعجاز!
يمكن لرفيق الحريري أن يقدّم استقالة حكومته الجديدة غدù!
لقد أنجزت له في جلستها الأولى، وفي مدى زمني قياسي، بعض أهم الصفقات التي كان يسعى إليها بدأب النملة وبإصرار نادر جعله يوظّف كل رصيده لدى القيادة السورية من أجلها!
لم يضيِّع وقتù، ولم يتمهّل لتمويه الغرض، ولم يعطِ الوزراء الجدد فرصة أن يفهموا بل حتى أن يقرأوا ما يُطلب إليهم الموافقة عليه،
ولم يخيِّب وزراء حكومة الصفقة الكبرى الآمال التي يعقدها عليهم مَن وزَّرهم، فتحمّلوا الوزر، مطمئنين إلى أن أحدù لن يحاسبهم، طالما أن »لكل مجتهد نصيبù« في البازار الذي كان بحاجة إلى تواقيعهم ليغدو »شرعيù« ولا مجال للطعن بقانونيته!
هل هذا هو عنوان »التمديد«؟!
هل يكمن هنا السر في التوافق العجائبي الذي عاد يجمع أطراف الحكم، الترويكا مع »الحلفاء الكبار«، في هذه الحكومة التي اعتبرت انتقالية فإذا هي استثنائية، والتي وُصفت بأنها »حكومة الوقت الضائع« فأثبتت منذ جلستها الأولى أنها برئيسها كما بممثلي الأركان الآخرين فيها لا تضيِّع دقيقة واحدة من الوقت الذهبي المتاح؟!
هل هو عنوان »التمديد« أم أن ما جرى وما سوف يجري هو »جائزة الترضية« و»التعويض المجزي« عن سقوط احتمال »التمديد« لأسباب تتجاوز أشخاص الحاكمين في لبنان؟!
لا يهم، طالما أن المواطن هو مَن يدفع في الحالين،
وماذا يهمّ أن يكون حظ »الخارج« مثل حظ »الباقييْن«، أو أن يكون حظ »الباقي« مثل حظ »الخارجيْن«؟!
إنه إنجاز العهد… وهو إنجاز يرقى إلى مستوى الإعجاز!
صدام مع روح مصر..
من ورَّط الرئيس حسني مبارك في هذه المعركة غير المبرَّرة مع الصحافة؟!
مَن استغلّ شعوره بالضيق وفشل مراهناته على »الصديق« الأميركي و»الإسرائيلي العاقل« ممثلاً بإسحق رابين، فدفعه إلى مواجهة مكلفة وغير مضمونة النتائج كهذه..
وهي مواجهة مع الصحافيين بمجموعهم هذه المرة، وليست مع »المشاغبين« منهم من المتطرفين يسارù أو يمينù أو ناصريù،
ثم انها مواجهة مع نقابة الصحافيين، بكل المنضوين تحت لوائها على اختلاف اتجاهاتهم، ومع النقيب الطيِّع إبراهيم نافع والذي استصدر له الرئيس مبارك نفسه قوانين استثنائية ليبقى في موقعه خلافù للمنطق وللقانون الطبيعي؟!
إنها معركة تسيء إلى مصر، بجلال تاريخها، وإلى صحافتها بتراثها المميَّز في الدفاع عن الحريات وعن حقوق الإنسان،
وهي معركة تُفقد نظام الرئيس مبارك الكثير من رصيده القليل، ولن يكسب منها إلا سوء السمعة، في حين كان يُذكر له إلى ما قبل استصدار هذا القانون الجائر أنه ترك هامشù لحرية الرأي والاختلاف، وأنه لم يبالغ في قمع المعارضين بالوسائل الديموقراطية بخنق أصواتهم وكمّ أفواههم جميعù.
إن إضراب الصحافيين في مصر، يوم 24 حزيران الجاري، هو مؤشر على أن حجم الغلط قد بات يهدّد النظام كله،
فبقدر ما هو دليل عافية في الرأي العام وأهل القلم والمعنيين بقضية الحرية في مصر، فإنه يشير إلى مدى الهوة التي باتت تفصل النظام عن روح مصر،
ومصر أبقى من حاكمها وأكبر، مهما حقَّق من أمجاد، فكيف بمَن يضيّق عليها ويصغِّرها ويفترق عن أحلامها كما عن واقعها؟!
الفقيه العائد إلى ذكريات الأحفاد!
بعد ثلاثين سنة من النفي الاختياري خوفù من الاغتيال أو السجن الإجباري، عاد »الفقيه البصري« إلى بلاده: المغرب.
مفجع هذا الخيار المفروض على رموز عصر النضال الوطني والقومي: أن يصبح الهمّ الأخير، أو الأمنية الأخيرة السماح لهم بأن يموتوا فيُدفنوا في تراب أرضهم وليس في ثلج الغربة!
لقد استحال على جيل كامل من المناضلين أن يعيشوا في أرضهم، وأن يبقوا في صفوف شعبهم، بسبب من مواقفهم السياسية المعارضة لنهج الحكم… وكان عليهم أن »يختاروا« بين مقبرة الصمت في الداخل، في السجن أو في بيوتهم حتى لا تأخذهم آراؤهم إلى الموت، وبين المنبر المتاح في الغربة وإن كان صوته لا يبلغ مَن يعنيهم الأمر في الداخل!
الى أين يعود محمد البصري؟!
إنه منذ عشر سنوات يناقش هذا »العرض«: تعود حيù فتدخل ضريحك بقدميك، وتكون لك جنازة فخمة تشارك فيها »جماهيرك« بحراسة الدرك الملكي، أو تبقى ميتù في الخارج في انتظار أن يكتشف جيرانك وفاتك فتأتي سيارة الإسعاف لنقلك إلى مقبرة المجهولين؟!
ولقد »اختار« محمد البصري العرض الذي لا يمكنه الآن وقد جاوز السبعين من عمره أن يرفضه.
يعرف »الفقيه« جيدù أن عودته ستكون تزكية لحكم أمير المؤمنين، وإدانة بمفعول رجعي لنهج المعارضة العارمة التي قادها رفاقه الذين خرجوا معه من »حزب الاستقلال« الى »الاتحاد الوطني للقوى الشعبية« والذي يحمل الآن اسم »الاتحاد الاشتراكي«،
ويعرف هذا الشريد الذي أمضى حوالى نصف عمره بين القاهرة وباريس ودمشق والجزائر وليبيا (مع محطات في بيروت)، أنه مضطر لأن يترك »السياسة« في منافيه الكثيرة، وأنه عائد إلى »الذكريات« وليس إلى الواقع،
والذكريات في الماضي لا في المستقبل، لكن »الفقيه« يعتبر عودته رصيدù لمستقبل أبنائه أو ربما أحفاده… وهذا يكفيه!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان