ما يشغل بال اللبنانيين وان هم عجزوا عن التعبير عنه بلغة خبراء الاقتصاد، هي الازمة المعيشية التي تتفاقم مع كل صباح جديد.
يتدهور سعر العملة الوطنية (الليرة) ويرتفع سعر الدولار بطريقة تصاعدية… وتحجر المصارف على اصحاب الودائع البسيطة من الموظفين والتجار واصحاب المهن، في حين يعرف كبار المودعين بأخبار الازمة قبل أن تبدأ او تتفاقم، فيتسابقون إلى تحويل حساباتهم إلى المصارف الاجنبية، او يحملونها إلى الامان في منازلهم المحصنة ثم ينامون ملء جفونهم.
يتدهور سعر الليرة يوماً بعد يوم، بالمقابل ترتفع اسعار الحاجيات، بما فيها الفواكه والخضار والقمح والطحين، وكلها من الانتاج المحلي… وتقفل بعض المتاجر الكبرى ابوابها او تخفي موجوداتها، لتبيعها بعد حين بضعف اثمانها..
يأتي المتظاهرون ليتجمعوا كل يوم، امام مصرف لبنان.. يزينون جدرانه الخارجية بشعاراتهم الاتهامية. يذكرون الحاكم رياض سلامة بالاسم، ويطرشون صورته مع اتهامات قاسية له بأنه يعطي المصارف أكثر مما يجب فيزيد من قدرتها على نهبهم. ويتحدث الخبراء في الاقتصاد عن “تواطؤ” قديم بين مصرف لبنان واصحاب المصارف: فيعطيهم دولارات بالسعر الرسمي ويأخذ منهم الليرة.. ثم مع اشتداد الازمة يعيد إليهم الدولارات “بسعر السوق”، بينما سعره قد زاد عن سعره الاصلي بنحو النصف.
وعلى المواطن ان يدفع من مدخراته (اذا وجدت) او أن يستدين بفائدة مرتفعة، في انتظار الفرج.. الذي يبدو أن انتظاره سيطول!
ولان الحل بعيد، فقد بدأ المواطنون يستشعرون الخطر على عملتهم الوطنية وعلى مصرف لبنان، وعلى مدخراتهم بطبيعة الحال، خصوصا وانهم يعرفون أن اصحاب الثروات الحرام والمهربين وتجار المخدرات، قد رتبوا امورهم، فبيضوا اموالهم أو اشتروا بها الارض التي خفضت الازمة اسعارها، او نقلوها بوسيلة او بأخرى إلى الخارج.. ثم ناموا ملء جفونهم.
اما متوسطو الحال والفقراء وابناء السبيل فقد هجرهم الاطمئنان إلى غدهم، كما هجرهم النوم… وها هم ساهرون في انتظار الفرج؟
.. الا اذا هم تولوا استيلاد الفجر الجديد، واعادوا صياغة الوطن ودولته.. وهذه مهمة الشجعان!