ربما لأن بنيامين نتنياهو يفتقد »الأعداء«، داخل إسرائيل وخارجها، فإنه لا يفتأ يوسّع دائرة حروبه حتى لتكاد تغطي معظم أنحاء الكرة الأرضية!
لقد رفض الذهاب إلى واشنطن ضيفاً على رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وفضّل أن يقتحمها اقتحاماً، وأن يشن فيها هجوماً ضارياً على إدارتها الصديقة جداً، مهدداً »بإحراق واشنطن« إذا ما تجرّأت فأعلنت أن لها سياستها الخاصة تجاه الموضوع الفلسطيني، واستطراداً تجاه »العملية السلمية« التي أطلقتها قبل سبع سنوات، والتي يُفترض أنها ترعاها وتتحمّل المسؤولية عنها ازاء العالم كله.
كذلك فهو يشن حرباً وقائية على الاتحاد الأوروبي كله، إذا ما نفذ الأوروبيون »تهديدهم« وفرضوا تمييزاً على البضائع الإسرائيلية المُنتجَة في المستوطنات، أي أنه يعلن رفضه لأن يكون لأوروبا رؤيتها وموقفها وبالتالي سياستها من الموضوع الفلسطيني واستطراداً من »السلام«!
وهو يطلق أمام المجتمع الدولي، وعلناً، رصاصة الرحمة على اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، بعد أن كان قد اغتال علناً أيضاً »العملية السلمية«، فارضاً على الدنيا كلها مفهومه الخاص: السلام يعني الأمن الإسرائيلي ولا شيء غير ذلك.
إنه يتصرف بثقة القادر على إلحاق الهزيمة بالجميع.
وهو يعامل كل مَن حاول محاورته، ومن موقع الصديق الحريص على إسرائيل القوية والمتفوقة على مجموع العرب، والملتزم بسلامتها طالما »أشرقت الشمس«، وكأنهم »أعداء« فعليون لا بدّ من تحطيمهم معنوياً، ومن ثم مادياً ليكرّس نفسه »ملك العالم« ومن موقع »شمشون الجبار«.
كيف لمثل هذا »الجبار« الكوني أن يعترف بعرفات نداً، ومن ثم مفاوضاً، أو شريكاً على أي مستوى وبأية نسبة من »أرضه الأصلية«، خصوصاً وأن عرفات قد ارتضى ومنذ زمن بعيد أن يغيِّب المضمون السياسي لقضيته، وأن يجعلها تبدو وكأنها مسألة إشفاق عالمي على مجموعات من اللاجئين تقيم فوق أرض إسرائيل وبحمايتها؟!
فمنذ زمن بعيد تحوّل »اتفاق أوسلو« فعلياً إلى مرجعية مفترضة لوكالة إغاثة جديدة للشعب الفلسطيني تتشكّل من »الدول المانحة«، بديلاً من وكالة الغوث التي كانت انشأتها الأمم المتحدة قبل نحو من خمسين سنة، والتي أخذت تنسحب بسبب الافلاس!! من مهماتها تدريجياً، حتى باتت أشبه بجمعية خيرية تفتقد الآن المتبرعين بأكثر من رواتب مديريها والموظفين الأجانب فيها.
إن حرب نتنياهو الشاملة تستهدف، أكثر ما تستهدف، إسقاط الطابع السياسي نهائياً عن الموضوع الفلسطيني. إنه مجرد مسألة أمنية داخلية إسرائيلية لا مجال فيها لوسيط أو لصاحب مسعى حميد، ومَن يصر على التدخل فإنما يخرق »السيادة الوطنية« ويمس باستقلال »الكيان الوطني« ويهدد »سلامة الدولة المقدسة«.
لا قضية سياسية للفلسطينيين في »بلادهم« غير الموجودة اصلا الا كمخيم شاسع لاعداد من اللاجئين الذين لم يُخرجوا في الوقت المناسب من أرض »الميعاد«،
وإذا كانت القيادة الفلسطينية، والمنهج الرسمي المعتمد من طرف الانظمة العربية بغالبيتها المطلقة، قد ساهما في طمس الهوية القومية للقضية الفلسطينية، فإن نتنياهو يحاول الآن اسقاط ما تبقى من بعد دولي لتلك القضية، ومن ثم لما كان يسمى »الصراع العربي الاسرائيلي«.
مسألة أمنية مع مجموعات من اللاجئين الفعليين او المحتملين في »الداخل الاسرائيلي«،
ومسألة أمنية مع لبنان على المجتمع الدولي ان يحلها من دون اي إطار سياسي،
لا صراع عربيا اسرائيليا، بل مجموعة من المشكلات الأمنية الصغيرة، نجحت اسرائيل في حسم معظمها وهي في طريقها لأن تحل الباقي، فلماذا المبالغة في اعطاء سوريا مثل هذا الدور الكبير، ولماذا مداراتها والحرص على عدم استفزازها؟!
ان »شمشون الجبار« يستطيع الحاق الهزيمة بكلينتون في واشنطن، وبشيراك في باريس، وبطوني بلير في لندن، فمن يجرؤ على مناقشته او الاعتراض على ما يقرره من بين العرب؟!
وإذا كان عرفات لا يستطيع مواجهته فوق أرضه، فليس من حق احد ان ينوب عن عرفات، او ان يتبنى منطقه او أن يحميه، وإلا تعرض الحامي نفسه لغضب شمشون الجبار الذي لا يتورع عن احراق واشنطن ذاتها!
ان نتنياهو الرمز المشع للديموقراطية في اسرائيل يخوض معركته ديموقراطيا في واشنطن،
انه الآن ينتصر بالديموقراطية الاسرائيلية على مجموع الديموقراطيات الغربية، ديموقراطيا.
اما في لبنان فهو يريد تنفيذ القرار 425 بشروط الأمن والسلام الدوليين،
ولبنان هو اكثر من يهدد الأمن والسلام الدوليين، خصوصاً من داخل أرضه المحتلة!
لقد تحول العرب بمجموعهم الى مجموعة من المتفرجين على »صراعهم« الذي يدور خارجهم، وبمعزل عنهم، وعلى حسابهم،
وكثيرون يفكرون الآن باختيار ملاجئ آمنة تحميهم من الحريق الذي يتهدد واشنطن ذاتها فكيف بهم وهم كانوا يفترضون انهم قد اشتروا أمنهم من واشنطن ببعض أرضهم لإسرائيل؟!
وعلى الفلسطينيين بداية، وعلى العرب بمجموعهم، ان يعيدوا توكيد طبيعة قضيتهم، وان يثبتوا بالملموس ان صراعهم المفتوح مع اسرائيل لا تلغيه ولا تقتله حرائق اسرائيلية في واشنطن!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان