ما أكثر ما كشفته هذه الانتفاضة الشعبية الرائعة من جرائم الطبقة السياسية:
ـ لقد كشفت بداية أن “الشعب” ملغى، بالطائفية والمذهبية بحيث صار “شعوبا” متنابذة، متباغضة، كل منها معزولة عن الآخرين، تنظر إليهم بغل وفوقية: الزعيم مقدس، والرعية مضطهدة، ولكنها مسجونة داخل طائفيتها، فاذا تعرض أحدهم “لزعيمها” قاتلته بذريعة انه قد اهانها جميعاً.
ـ وفي غياب “الشعب” تم تنظيم سرقة المال العام بمختلف اشكاله وانواعه: في البر والبحر، في المشاعات والاملاك المغيبة او الغائب اصحابها.
ـ سُرقت الشواطئ، وأقيمت فوقها المسابح بالأجر الفادح، واقيمت الشاليهات لأصحاب الثروة، ممن يصطحبن الاصدقاء والصديقات في رحلة ترفيه واستمتاع بالمنهبة. صار الشعب بلا املاك بحرية في بلد تقع ثلث مساحته على شاطئ المتوسط من أدنى الجنوب إلى اقصى الشمال.
ـ اقتحمت الدوائر العقارية وتم تزوير وثائق الاملاك، فصارت لغير اصحابها، وتصرفوا بها، بيعاً وتأجيراً، تصرف المالك.. وليست مصادفة أن يكشف بعض التزوير، مع الوعي بأن المزورين سيجدون من يحميهم بحرق المركز او تهديد القضاة والشهود وطمس الوقائع والادلة.
ـ مجلس النواب في عطلة دائمة، فاذا ما اجتمع لانتخاب رئيسه او هيئة مكتبه، او لمنح الثقة لحكومة معروفة الرئيس والحصص فيها، اعتبر ذلك الحدث انتصاراً للديمقراطية… التي ابتدع لها قادة البلاد صفة مخزية تنسف معناها ودلالاتها هي: الديمقراطية التوافقية.. كأنما الديمقراطية تعني بمفهومهم الحرب الاهلية.
ـ اكتشف اللبنانيون أن بلادهم اوسع مما يتصورون: فأهل صور، مثلاً، انتبهوا إلى أن البترون وطرابلس والمنية وحلبا في عكار ليست في دنيا أخرى، وان الهرمل ليست بعيدة او غريبة عن صيدا، جونية ليست باهلها غريبة عن بعلبك وزحلة وحاصبيا وعيتا الشعب وشبعا باهلها.
الثورة جعلت من اللبنانيين شعباً، ومن لبنان وطناً!