… الحكم في لبنان، البلد الطريف، يرتج ولا يسقط مع التحولات الخطيرة التي تشهدها المنطقة الآن، وابرزها اندفاع دول الخليج إلى الصلح مع العدو الاسرائيلي.
بعد قرن على نهاية الحرب العالمية الأولى و”تطوع” بريطانيا العظمى (آنذاك) وفرنسا لتقسيم المشرق العربي، الذي كانت اقطاره ولايات عثمانية، إلى “دول” افتراضية تخدم المشروع الاسرائيلي الآتي لإلغاء “استقلال ” العرب جميعاً، لنرى إلى صورته الآن وماذا تغير فيها:
ومع أن مصر ليست ضمن هذه المنظومة، الا انها تأثرت قطعاً بالهجرات التي جاءتها من المشرق العربي (لبنان وسوريا خاصة) ثم أن اتحاداً ما كان يربطها مع السودان، من هنا أن لقب “الخديوي” او “الملك” كان يشمل القطرين معا: ملك مصر والسودان.
كان في شبه الجزيرة العربية دولتان لا غير: السعودية التي وحّدها سيف عبد العزيز ال سعود (تحت رعاية الانكليز مع مشاركة اميركية) عندما اكدت المؤشرات وجود النفط غزيرا في الارض التي حكمها الاتراك حتى عشية الحرب العالمية الاولى. وفي وقت معلوم (1915) حرض البريطانيون الشريف حسين على إعلان استقلال تلك الارض تحت سيادته، لكن الاميركيين تدخلوا بحزم ونصروا عبد العزيز آل سعود فغادر الشريف حسين إلى قبرص منفيا، بينما احتضن البريطانيون نجليه فيصل وعبد الله، فنصّبوا الاول على سوريا الكبرى (لبنان وسوريا والاردن). لكن مجريات الحرب افضت إلى اقتطاع الارض من سوريا لإنشاء إمارة شرقي الاردن تحت لواء الامير عبد الله ، وتنصيب الامير فيصل ملكا على لبنان وسوريا. فشلت هذه المحاولة واُخذ هذا الامير إلى العراق فكان اول ملك لأرض السواد منذ سقوط الخلافة.. وأخضعت سوريا ولبنان للانتداب الفرنسي.
عشية انتهاء الحرب، استطاعت الحركة الصهيونية أن تحصل على وعد من اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا ( 2 /11/1917)، بان تكون فلسطين ارض الدولة اليهودية العتيدة.. وهو ما لم تنله الحركة الصهيونية بقيادة هيرتزل من السلطان عبد الحميد في الاستانة الذي رد على ضيفه بالقول: لتنسني يميني أن نسيتك يا فلسطين!
أقيمت دولة لبنان على أنقاض المتصرفية بعد ضم الاقضية الاربعة إلى الجبل: الشمال والبقاع والجنوب وبيروت.
ومن الطرائف التي حفلت بها المفاوضات الفرنسية مع البطريرك الحويك في باريس، انهم عرضوا عليه مد حدود لبنان حتى طرطوس، لكنه أصّر على الجنوب، ولما قيل له أن اهل الجنوب من الشيعة رد قائلاً: “لا يهم.. انهم باعة بيض!”.
ولم يكن اليمن في البازار، وان افضت نتائج الحرب الى سحب القوات التركية التي كانت تحتل بعض ارضه.
كذلك دعم الاميركيون (الذين كانوا قد اكتشفوا النفط في ارض الحجاز) آل سعود بقيادة الامير عبد العزيز ضد ابن الرشيد فانتصر عليه ونودي به ملكاً وصيرت ارض النبوة المملكة العربية السعودية.
وكانت البوادي المحيطة بالسعودية مشيخات فقيرة، لكن ظهور النفط والغاز فيها وعلى شواطئها جعل منها دولا غنية وصاحبة دور، خصوصاً وان الاقطار العربية ذات التاريخ المضيء والدور المؤثر في القرار كانت فقيرة لا تثير لعاب المحتل الا في تعزيز النفوذ العالمي.
• في العشرين كانت ثورة العراق.. وانتهت باستقدام فيصل الهاشمي ليكون ملكا.
• وفي سنة 1925 انتفضت سوريا جميعا وبرز دور سلطان باشا الاطرش، فقمع الفرنسيون الثورة واستشهد في الميدان (دمشق وحمص، والحدود مع لبنان حتى ميسلون حيث استشهد البطل يوسف العظمة).
• واعلن ضم “الاقضية الاربعة” إلى جبل لبنان لتقوم دولة لبنان التي ستغدو الجمهورية اللبنانية، وسيتولى الحكم فيها الانتداب الفرنسي مع تسمية رئيس للدولة، قبل أن يسمح بقيام مجلس نيابي وحكومة في العام 1943.. وكان الفرنسيون يدعمون اميل اده لكن الانكليز خذلوه واختاروا بشاره الخوري.. وهكذا نقل “النواب” بنادقهم من كتف إلى اخر وانتخبوا بشاره الخوري (اول رئيس لجمهورية لبنان المستقل) بالإجماع!
لكن الفرنسيين الذين غاظهم هذا الانقلاب قاموا في ليل 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1943 باعتقال رئيس الجمهورية وبعض كبار الشخصيات الاستقلالية ( بشارة الخوري، رياض الصلح، عبد الحميد كرامي، عادل عسيران الخ..) وسوقهم إلى سراي راشيا..
ورد البريطانيون بأن “رتبوا” انتفاضة شعبية، فاعتصم حبيب ابو شهلا في ضيافة المير مجيد ارسلان في بشامون حيث تلقى دعماً من زعيم منطقة الهرمل صبري حماده الذي دعمه ببعض المقاتلين. وحين حاول الفرنسيون الهجوم على المعتصمين أنذرهم البريطانيون فافرجوا عن المعتقلين في راشيا، وكان عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1943.
بعد ذلك ستقوم الجمهورية السورية.. لكن الحكم الديمقراطي فيها لم يستمر طويلا، اذ دبر الاميركيون مع البريطانيين انقلاباً عسكريا في دمشق، لتمرير انابيب النفط العراقي عبر سوريا إلى الساحل اللبناني، في الدعتور، قرب طرابلس، بواسطة “شركة نفط العراق” (I.P.C )
وعندما بات النفط في السعودية قابلاً للتصدير بكميات ضخمة، اقامت شركة التابلاين مصفاة في الزهراني، قرب صيدا للتكرير والتصدير.
ولسوف تتكرر الانقلابات العسكرية في الشام، على امتداد سنوات طويلة، فلما انتصرت الثورة في مصر بقيادة جمال عبد الناصر على العدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا والعدو الاسرائيلي) خرج الشعب العربي إلى الشوارع مؤيداً مصر وقائدها البطل العربي جمال عبد الناصر واصَّر السوريون على الوحدة، فقامت “الجمهورية العربية المتحدة” التي لم تعمر الا ثلاث سنوات الا قليلا.
ذلك عصر مضى وانقضى، ثم جاء العصر الاميركي لينصر العدو الاسرائيلي على العرب اجمعين..
عادت الوحدة لتكون حلما، وتفجرت الاوضاع العربية في أربع جنبات الارض العربية، وتعاظمت قوة العدو الاسرائيلي بالضعف بل التهالك العربي، وتوكيد الوكالة الاميركية لإسرائيل في هذه المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي المميز.
واجتاحت قوات العدو الاسرائيلي لبنان مرات عديدة، وصل جيشها في صيف العام 1982 إلى العاصمة بيروت، وفرضت بقوة سلاحها بشير الجميل رئيس للجمهورية بالقوة.
لكنها اضطرت إلى الانسحاب في ما بعد، خصوصا وان بشير الجميل قد اغتيل في وضح النهار..
وكانت قد نشبت الحرب الاهلية في لبنان ودامت دهراً، ثم كان مؤتمر الطائف، وتم دخول القوات السورية إلى لبنان بقرار عربي..
في 14 شباط/ فبراير 2005 اغتيل رئيس الحكومة في لبنان رفيق الحريري الذي عمل طويلاً في السعودية، كمقاول، وربطته – عبر شركة المقاولات اوجيه، ثم عبر اتصالاته الشخصية، علاقات طيبة مع عدد من المسؤولين الفرنسيين.
وفي ظل حكوماته المتعاقبة نفذت خطط عدة لإعادة اعمار لبنان (بين 1992 و2005).
..ومع غياب الحريري، بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، عاد الحكم في هذا البلد الطريف يرتج ولا يسقط مع التحولات الخطيرة التي تشهدها المنطقة الآن، وابرزها اندفاع دول الخليج إلى الصلح مع العدو الاسرائيلي.
ينشر بالتزامن مع موقع السفير العربي