الطموح السياسي، في بلد لا سياسة فيه، بالمعنى الفعلي، قد يضر اضراراً بالغاً بالرجال الذين ـ بكفاءتهم ووطنيتهم ـ ذخيرة مهمة جداً من اجل المستقبل الافضل، الذي يطمح اليه اللبنانيون على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية، والجهوية والقبلية الخ..
لفتتني صورة مرشح صديق كان قاضيا ممتازاً ضاق به الفضاء الطائفي الذي كاد يختنق فيه، فطلب اجازة من دون راتب، ثم وجد ان ذلك لا يكفي فقدم استقالته وقرر بدء مغامرة جديدة في حياته…
ولم استغرب أن يتقدم هذا القاضي المحترم إلى الانتخابات، فهو يستحق أرفع المناصب، لتمتعه بمزايا استثنائية منه الخلق الرفيع والنزاهة الفكرية وتدقيقه في اختيار صداقاته، ومن يعاشر..
سبب الاستغراب أن هذا الصديق الممتاز قدم نفسه كمرشح عن تنظيم طائفي الشعار والمضمون والتاريخ الدموي..
ولقد أحزنني هذا الاختيار، وحرمني من ابداء الفرح بنجاح هذا الصديق الذي كنت اعتز بنزاهته كقاض، ثم زاد اعتزازي به حين سافر إلى بعض انحاء الخليج لكي يعمل بكفاءته وفي مجال تخصصه.
ومع انني افهم مبررات الصديق “اللبنانية” من دون أن يقولها فلقد احزنني اضطراره إلى تغيير جلده، او معتقده السياسي، من اجل الوصول إلى مقعد سيحرمه اعظم ميزاته كقاضٍ، يعمل في خدمة الحق والعدل، ولا تأخذه في احكامه لوثة مذهبية او جنوح طائفي، او ضعف يأخذه الى نصرة الظالم على المظلوم، بغض النظر عن الانتماء الطائفي للطرفين..
سلاماً أيها الصديق الذي غدوت “رفيقاً” لغير من صادقت في شبابك.