"طوفان رمضان".. لماذا الاحتلال طقوس الأقصى في الشهر المبارك؟

    يستند الرباط والتمرد والمقاومة والفزعة للمسجد الأقصى إلى بُعد وطني وديني وروحي واجتماعي وثقافي، إذ يُعتبر الأقصى رمزًا، كونه مقدس.

    ضيوف الموقع

    المزيد

    هوامش

    المزيد

    كاريكاتور

    بين الأمس واليوم تغير الأسم فقط بينما واقع الحال لا زال على ما هو عليه

    كتبوا عنه

    المزيد

    من اقوال نسمة

    فيديو

    صور

    طلال سلمان

    صحافي لبناني أصدر في 26 آذار/مارس 1974 جريدة “السفير” في بيروت، وهي يومية سياسية مستقلة ..

    عودة الأسير

     نشرت في جريدة “السفير” بتاريخ 30 حزيران 1994

    الأرض هي الأرض لم يزلزها زلزال ولا غمرها الطوفان ولا نجح في تقطيعها وفصلها عن أمها فلسطين “الجيش الذي لا يقهر” لتغور في البحر، فيستتب الأمر لإسرائيل وتطوي التاريخ لتجعله وسادة من الأحلام السنية.
    الأرض هي الأرض، بالاسم ذاته، غزة بني هاشم، بالموقع ذاته من فلسطين، حبل سرة يشدها إلى مصر، وجسراً بين بلاد الشام وأرض الكنانة وما خلفها في أفريقيا.
    الأرض هي الأرض، بالبؤس ذاته، ينتج المزيد من “اللاجئين” والمخيمات، ثم يعيد إنتاجهم ويعيدون إنتاجه أضعافاً مضاعفة، وبالبأس ذاته: تشجب الثورة في الخارج. فيوكد “الداخل” الانتفاضة ويقتحم بها الدنيا مقدماً للمسحوقين والمظلومين والمعذبين في الأرض سلاحاً فعالاً لا يفله الحديد ولا تأكله النيران ولا تدمره الغارات بالطائرات الأميركية الأشد فتكاً أو بالمروحيات الأميركية ذات الصواريخ الجهنمية التدمير.
    الأرض هي الأرض، غزة… لكن “العائد” ليس هو الذي غاب، وليس هو الذي طالما انتظرته وانتظره أهلها فجراً لزمن جديد. لا هو “الثائر” القديم، ولا هو القائد الذي أنجبته الانتفاضة، بل لكأنه يعود على أشلائها. هل هو “الخارج” يدخل، أم هو “الداخل” يخرج من “التحرير” إلى حماية الاحتلال؟! أم أنه رجل فرد هو الداخل إلى الخارج، والآتي بالخارج إلى الداخل، اللاغي الداخل بالخارج، والخارج مكان محظور من يدخله مفقود ومن يخرج عليه فهو المولود، والولادة لا تكون إلا بقوة الداخل لأنك فيه ومنه وخارجه لا تكون.. هو الطلقة الأولى – البشارة وهو الطلقة الأخيرة – النصر.
    النصر؟! ليس على قائمة المدعوين. بل لا أحد يحمل هذا الاسم بين “العائدين” من يعطي الإذن بالزيارة هو وحده المنتصر، مع أنه خائف حتى العظم، لأن نصره أكبر منه ولأنه يعرف أن “هزيمتهم” أثقل من أن تدوم. لقد أرهقته انتصاراته، وهم ما زالوا يقاومون ويرفضون وينجبون ويتزايدون حتى لا تنقص أعدادهم الهزائم الأخرى المقبلة.
    لكنها “عودة الأسير”… مع فارق :أن الأسير هنا هي الأرض لا “الشخص” العائد.
    هل تذكرون قصيدة محمود درويش. قبل حوالي العشرين سنة، ويوم أن عاد ذلك الجندي المصري الأسير، بعد دهر الأسر فإذا مصره قد ارتحلت في غيابه وتبدلت حتى كان ينكرها؟!
    لعل غزة ستخاطب “العائد” إليها اليوم بلسان الأسير المصري وقصيدة شاعر فلسطين محمود درويش:
    “ماذا يقول النيل
    “لو نطقت مياه النيل،
    “يسكت مرة أخرى ويسألني،
    “لتسكت جوقة الإنشاد حول جنازتي
    “وخذي عن الجثان أعلام الوطن،
    “يا مصر… تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر،
    “غطي حفنة من رمل سيناء
    “التي ابتدعت عن العينين والتجات إلى الرئتين،
    “وامتشقي دمي،
    “وخذي عن الجثمان أعلام الوطن،
    “سيناء ليس لها كفن.
    “والنيل ينسى
    “ماذا يقول النيل، لو نطقت مياه النيل،
    “يسكت مرة أخرى، ولا يستقبل الأسرى
    “ليسكت ههنا الشعراء والخطباء والشرطي والصحافي،
    “إن جنازتي وصلت،
    “وهذه فرصتي يا مصر.. أعطيني الأمامن لأموت ثانية شهيداً لا أسير،
    “السد عال، شامخ، وأنا قصير،
    “قد زيفوا يا مصر حنجرتي وقامة نخلتي،
    “والنيل ينسى،
    “والعائدون إليك منذ الفكر لم يصلوا
    “ولست أقول يا مصر الوداع،
    “شبت خيول الفاتحين،
    “زرعوا على فمك الكروم فأينعت
    “قد طاردوك، وأنت مصر،
    “وعذبوك، وأنت مصر،
    “وحاصروك، وأنت مصر،
    “هل أنت يا مصر
    “هل أنت… مصر”
    هل أنت يا عرفات عرفات؟!
    “هناك حمامتان بعيدتان ورحلة أخرى، وموت يشتهي الأسرى،
    “وذاكرتي قوية،
    “والآن ألفظ قبل روحي كل أرقام النخيل،
    “وكل أسماء الشوارع والأزقة، سابقاً أو لاحقاً،
    “وجميع من ماتوا بداء الحب والبلهارسيا والبندقية،
    “ما دلني أحد عليك وأنت مصر،
    “قد عانقتني نخلة فتزوجتني، شكلتني، أنجبتني الحب والوطن المعذب، والهوية،
    “ما دلني أحد عليك
    “وجدت مقبرة فنمت،
    “سمعت أصواتاً فقمت،
    “ورأت حرباً فاندفعت،
    “وما عرفت الأبجدية…”.
    والأسير ما زال في الأسر، و”العائد” لا يجيء من التحرير ولا يذهب إليه:
    “قالوا: اعترف، قلت: اعترفت،
    “واصلت يا مصر اعترافاتي
    “دمي غطى وجوه الفاتحين ولم يغط دمي جبينك، واعترفت،
    “وحائط الإعدام يحملني إليك
    “أنت ا لآن تقتربين،
    “أنت الآن تعترفين
    “فامتشقي دمي،
    “والنيل ينسى
    “وليس من عاداته أن يرجع الغرقى…”
    مع الاعتذار للشاعر الكبير محمود درويش على الاستعانة بقصيدته، ولو أنها تجيء الآن معكوسة، وتبقى الفرحة مع العودة في الأسر،
    لم يأت العيد، انتهت لائحة الأعياد من زمان.
    لكن الأرض هي الأرض، والناس هم الناس، ولعلها بداية أخرى ففلسطين أيضاً ليس لها كفن..

    بحث
    الأرشيف
    إشترك بالنشرة الإسبوعية