نصف قرن على “النكسة”! كم سنة بعد؟
حرب الخامس من حزيران، نحن خسرناها. انتصار “اسرائيل” كان سهلاً. ساعات فقط، كانت كافية لحسم المعارك. ايام معدودة فقط كانت كافية لاحتلال كامل فلسطين، لاحتلال الجولان ولاحتلال غزة… هذه بلاد سقطت من أيدينا ووقعت في ايدي “اسرائيل”. الخامس من حزيران، لم تكن حرباً. كانت انتحاراً. ثلاثة جيوش تصلح لحراسة العروش ولم تكن مهيأة لقتال العدو. هكذا، دخلت الحرب من دون استعداد، من دون قتال. الجيوش لم تقاتل لأنها كانت قد قتلت من قبل. جيش مصر منهك في اليمن، جيش سوريا منهك بالانقلابات وجيش الاردن اختصاصه العرش.
لم تكن “نكسة”. كانت عاراً لنا ومجداً “لإسرائيل”، فهي الدولة التي لا تقهر، ونحن منظومة من الدول المقهورة من داخلها. يصح فينا القول: “من بيت أبي ضُربت”.
بعدها. بدأت مرحلة ازالة آثار العدوان على مصر وسوريا والاردن. فلسطين لأهلها، بوصاية دولية واحتلال اسرائيلي. يومها، قرر الفلسطيني أن يمتشق فلسطينه ويحملها على رؤوس الحراب. قاتل الاحتلال. أنشأ المنظمات الفدائية. خاض غمار المعارك فوق فلسطين ومن اجل فلسطين… تحرك الشتات الفلسطيني. تحول اللاجئ في المخيمات اللاجئ المُذَل والمحتل من اشقائه، إلى مقاتل لا يكل.
استقبلته الانظمة بالريبة والطعن في الظهر. صار على الفدائي الفلسطيني أن يحمي ظهره من “اشقائه الملاعين” أكثر من قتاله للعدو. أحياناً ضاعت البوصلة. فسفك الدم على ضفاف فلسطين وليس في عمقها.
الانظمة الفاشلة، قوية على شعوبها مستقوية على اهلها، ارتاحت من فلسطين، وأنشأت منظمات فلسطينية لحساب الانظمة الفاشلة. ضاعت البوصلة مرة أخرى. صارت المنظمات شبيهة بالأنظمة، وتنطق باسمها. الاستثناء ظل الاساس. حروب الانظمة والمنظمة كثيرة. أخرجت المنظمة من الاردن، قيّدت في سوريا، نُحرت وانتحرت في لبنان، إلى أن اندلع الحجر الفلسطيني وكانت انتفاضة الحجارة.
لم يكن للفلسطيني موقع لبندقيته في محيط فلسطين. لا مصر تقبل، ولا الاردن يحفل ولا لبنان في الحسبان. أقرب بلد إلى فلسطين، كانت تونس البعيدة جداً. أقرب مساحة له، هي حيث هو. في ارضه. واجهت اسرائيل الانتفاضة بحملة تكسير العظام. ظلت السواعد ممتشقة حجارتها وارادتها… ولكن، كانت “اوسلو” أقرب إلى العودة المشروطة من أي عاصمة عربية. بلاد عربية اشبه بخيام في العراء…وكانت العودة الناقصة والمبتورة إلى فلسطين.
ادارت الانظمة ظهرها لفلسطين وراحت تتفلسف على المنظمة. لم تكن المنظمة امام خيارين سهلين. قبلت بأوسلو اللعنة، بعدما رفضتها الانظمة العربية الملعونة. مَنْ مِنَ الدول العربية قدم لفلسطين، أكثر من الفلسطيني والمتطوعين اللبنانيين والعرب، برغم انف انظمتهم؟ لا أحد. كانت الانظمة مشغولة بحراسة سلطاتها، والجيوش تتحوّل إلى اجهزة مخابرات وخلايا امن.
ثم اندلعت حروب الاشقاء، وحروب الخليج، والحروب المجانية، إلى أن حضرت جحافل الوحوش التكفيرية. وكان ما كان وما سيكون: لا أمة، لا شعب، لا دولة، لا صوت يعلو فوق صوت الاسلام السياسي.
قال عمر ابو ريشة بيتاً يختصر عصراً عربياً:
لا يُلام الذئب في عدوانه إن يكُ الراعي عدوّ الغنمِ
بعد نصف قرن على النكسة،
بعد قرن على وعد بلفور،
بعد ثلاثة ارباع قرن على نشوء اسرائيل.
ما تزال فلسطين اسيرة ويخشى عليها من الزوال.
لقد احتفظ الفلسطيني بفلسطين وما يزال، برغم فقره وحصاره يشغل “اسرائيل” بما يملك من لا. يكفي انه يقول لا وان يفعل لا. انما، وللأسف، فهو مقسوم إلى ضفة وقطاع. عمر هذه النكبة أكثر من عقد. هل هذا معقول ام انه سيزول. لا نجرؤ على التفاؤل.
في لبنان قدوة: مقاومة في بيئتها. تحمي ظهرها بمقدار ما تحرر من ارضها. استطاعت عبر نهج المقاومة وحده، أن تُخرج اسرائيل من لبنان، هل هذا ممكن في غير مكان؟
الجواب يحتاج إلى زمان وإنسان. زمان يلتمس افق التحرير، وانسان لا يعوّل على التفاوض. اسرائيل تفرض ولا تفاوض. العالم معها يقبل ذلك. العرب ليسوا في الحسبان.
أمام فلسطين امتحان البقاء. يلزم لذلك الاستفادة من الدروس والعبر. العالم اللاسياسي مع فلسطين. مستعد أن يذهب بالمقاطعة إلى نهايتها. اسرائيل خائفة. فلتخف أكثر من الداخل.
هذه محاولة تُبقي فلسطين ضميراً وتنقلها من التخبط إلى الأمل.