كل فصل من الفصول التي رواها نديم دمشقية في كتابه ”محطات في حياتي الدبلوماسية”، كان يمكن أن يخرج على الناس كتاباً حافلاً بالاسرار والأخبار والوقائع المثيرة والملامح الأصلية لشخصيات اضطلعت بأدوار تاريخية مؤثرة في هذا القرن، وتحديداً في نصفه الأخير.
لقد عاش نديم دمشقية حياة دبلوماسية خصبة، في مراحل حاسمة، وفي عواصم كانت تعتبر بحق مراكز القرار في الكون، وأوصلته خبرته ولباقته ومتابعاته إلى العديد من القيادات التي صنعت لحظات فاصلة في سياق السياسات والتوازنات الدولية.
من حريق القاهرة (1952) الذي حدد الساعة الصفر لثورة جمال عبد الناصر، إلى ”حلف بغداد” الذي عجل بنهاية نوري السعيد والعرش الهاشمي في العراق، الى ”مبدأ ايزنهاور” الذي شكل بداية ”الحلول” الأميركي العلني والرسمي مكان ”الاستعمار القديم” في الشرق الأوسط الجديد (آنذاك للأميركيين كما هو للاشتراكيين الآن)….
ومن هزيمة 1967 ومؤتمر الخرطوم، الى حرب تشرين 1973 وبعدها قمة الرباط، إلى بعض الكواليس السياسية الخلفية التي تشرح الكثير من وقوعات الحرب اللبنانية.
في هذه المواقع، ومع صنّاعها، وفي كواليسها، عاش نديم دمشقية شاهداً، يرى ويسمع ويناقش، فيعرف المزيد ويكون الصداقات فتكشف له الكثير مما خفي أو أخفي عمداً، أو لعله ما زال مخفياً حتى اليوم.
ولأنه دقيق في تعابيره، كأي دبلوماسي محترف، فقد جعل دمشقية لكتابه عنواناً يوحي بأن ما لديه أكثر بكثير مما قاله في ”محطات”.
وليس محمد حسنين هيكل وحيداً في ملاحظته التي ختم بها مقدمة الصديق: ”وأعرف أيضاً أنه يحتاج لكي يكتب (ولا يروي نتفاً) الى العودة لمراجعه الأصلية وليس لدى نديم مرجع أهم من تقاريره إلى وزارة الخارجية اللبنانية، ومناي أن يتاح له أن يعود إلى ما كتب، وأن تفتح أمامه محفوظات الوزارة، تعيده إلى الوقائع والمناسبات والأجواء مسجلة على الورق، ففي تلك اللحظة تستطيع الأوراق أن تعطي الذاكرة مشاهد التجربة وأصواتها وألوانها ودقات قلبها”..
ولعلنا نطمع بكتاب يفصل هذا ”الموجز” الذي شوقنا به نديم دمشقية ولم يشف غليلنا إلى معرفة ما يعرف ”في السياسة والعلاقات الدولية”.