في مثل هذه الايام من كل سنة (وغالبا في موعد سابق.. لكنها الظروف القاهرة!!) يبدأ المجلس النيابي، المعطل بالرغبة في الاجازة المفتوحة، مناقشة مشروع موازنة العام المقبل كما تقدمه الحكومة.. وتكون فرصة ذهبية ليستعرضوا مواهبهم الخطابية في نقد القصور والتقصير واهمال الحكومة لمطالب الناس واحتياجاتهم، لا سيما في المناطق البعيدة عن العين والقلب والاهتمام الرسمي.
تعلو الاصوات، وتحتدم المناقشات، وقد تنشب بعض المعارك الجانبية ويهم بعضهم أن يمسك بخناق البعض الآخر، وتتدخل مطرقة الرئاسة، ويتبرع بعض النواب بلعب دور “وسطاء الخير” لمنع تطور الخلاف إلى اشتباك، وما هو أخطر.. فترفُع الجلسة لتهدئة الخواطر والعودة إلى “الموضوع”!
وتنتهي المناقشات وفق قاعدة: لا بد مما منه بد! وتعقد المصالحات بين المتراشقين بالاتهامات المرقمة وخطايا الاهمال المتعمد، ثم يستكمل النقاش هادئاً وتقر المليارات التي ستضيع في دهاليز الادارة والشفاعات واعادة ترتيب الاولويات بما يتناسب مع مقامات اصحاب القرار.
العجز في تفاقم، كالمرض العضال الذي لا شفاء منه.. والمسكنات لم تعد تُجدي في الحفاظ على قيمة النقد الوطني الذي يكاد يختفي كعملة مخلياً مكانه للدولار الجبار الذي يحرمك النوم في الليل والنهار، والذي يأخذك إلى التبعية والاستسلام للاستعمار الجديد المعروف باسم الدلع “الامبريالية”، وعاصمته واشنطن ذات البيت الابيض والسمعة السوداء.
..حتى احفادك لم يعودوا يقبلون أن تقدم لهم عيديتهم بالليرة: يمسكون بما تقدمه لهم ويسألونك: كم دولاراً تساوي هذه الورقة الملونة؟!
تنتبه فجأة إلى أن سداً من نار قد قام بين الاجيال، قوامه هذه العملة الجبارة التي تختزن ـ باحتكار القوة، وثبات العملة التي لا تقهر، الدولار، كل اسباب التفوق في العلم والطب والاقتصاد والمبتكرات والاختراعات الجديدة، بعد سيطرتها على عقول الشباب في مختلف انحاء العالم لأسباب كثيرة بينها قوة عملتها التي اذلت “الدول” واستعمرت الكفاءات في مختلف القارات.. وباتت تذل الشعوب وتتحكم بمصائرها بسلاح جبار هو: الدولار.. ملك الكون! مقرر الحرب والسلام.