امتلأ لبنان، بعد »تجربة« الانتخابات البلدية والاختيارية ب»المنتصرين«!
السلطة، بأركانها، منتصرة، والمعارضون بمختلف رموزهم منتصرون، أما أحزاب الطوائف، إسلامية ومسيحية، فقد عمّقت وجودها »الشعبي« بدخولها للمرة الأولى في مؤسسات الخدمات العامة »الرسمية« بأصوات الناخبين وليس بمراسيم التعيين، ورفعت أعلام النصر فوق مكاتبها مكلّلة بالرموز الدينية الصريحة.
ضاع »المواطن« بين جمهرة »المنتصرين« باسم طوائفهم أو مذاهبهم، بينما كان يرى في الانتخابات البلدية فرصته لتأكيد وجوده طرفا أساسيا في اللعبة السياسية.
التهمته العائلات، بأجبابها وأفخاذها والبطون، وأحزاب الطوائف التي تكشّفت عن »عشائر« واسعة النفوذ عظيمة الإمكانات.
وضمرت »الدولة« حتى بات وجودها رمزياً ولعبت دور »الحكَم« بين متصارعين من خارجها على مواقع السلطة في داخلها، من أصغر قرية إلى العاصمة التي كادت تفقد عبر دعاوى »التوافق« و»التوازن« وادعاءات الحرص على العيش المشترك وهجها الوطني والعربي وحتى الدولي… فهي برغم كل الجراح والصدمات والصفقات تظل أكبر من أن تحصر في طائفة أو مذهب أو تحالف مفروض بين الطائفيين والمذهبيين مجتمعين.
وبرغم النجاح الأمني فإن الانتخابات البلدية التي حملت أوزار الخطايا والأخطاء السياسية للقوى التي شاركت فيها تبدو بقراءة هادئة وكأنها قد جُرّت خارج الأطر الديموقراطية المألوفة.. فمن الصعب الحديث عن الديموقراطية في ظل هذا الطغيان للشعار الديني وللحمى المذهبية.
حادثة طرفة تكفي كوسيلة إيضاح: من بين المرشحين في بيروت عمر بارودي. كثير من المسيحيين افترض ان »عمر بارودي« مسلم فشطبه ليضع مكانه »مسيحياً«، في حين أعطاه كثير من ناخبي »السنة« أصواتهم مفترضين انه »سني« بينما شطبه العديد من ناخبي »الشيعة« بسبب اسمه!
التحالفات الاضطرارية كانت خارج السياسة قطعاً: الكتائب مع الجماعة الإسلامية، و»القوات« مع »حزب الله«، لا عازل ولا معزول. لا الماضي هو قاعدة التحالف والتفاهم على صورة المستقبل متعذر. تجاوز الكل اتهاماته الخطيرة للآخر من دون منطق، وابتز البعض البعض الآخر بانتهازية مكشوفة، وتواطأ أطراف في السلطة فتستروا على هذا كله، واحتضنوه بذريعة الحرص على »الوحدة الوطنية«، بينما كان أطراف آخرون في السلطة ذاتها يشهرون الحرب على بعض الحلفاء الاضطراريين في بيروت بالذريعة نفسها.
حاول »المواطن« استنقاذ نفسه ففشل، وأنى له أن ينجح في مواجهة شبكة التحالفات الجهنمية هذه؟!
برغم ذلك فإن قيام مجالس بلدية منتخبة يظل مكسباً »ديموقراطياً« مهماً.
برغم ذلك فإن اجراء الانتخابات، مجرد اجرائها، في ظل أجواء أمنية هادئة، يظل مكسباً ديموقراطياً مهماً.
وكائناً ما كان حجم »العفن« الذي كان يختزنه الجسم اللبناني وكشفته تجربة الانتخابات للشمس، فإن »ظهوره« بكل بشاعته بلا قناع أو حجاب قد يكون بداية مؤلمة ولكن لا بد منها لمعالجة هذا المرض الخطير.
هذا هو لبنان ما بعد الحرب الأهلية.
ان »السلم الأهلي« ما زال أمنية.
ان الطائفية قد استولدت المذهبية.. وفي ظلهما معاً يصعب بناء المواطن والوطن، خصوصاً ان هاتين المؤسستين قد فرضتا هيمنتهما الكاملة على الدولة والنظام.
وإذا كانت الاحزاب الوطنية والقومية والتقدمية قد فشلت فإن هذا النجاح للاتجاهات والتجمعات الطائفية والمذهبية هو الوجه الآخر للصورة ذاتها، وتوكيد مؤلم للفشل ذاته.
مع ذلك فإن الانتخابات هي الدواء الوحيد… مع كثير من الداء!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان