ليس خبراً عادياً أن يلتقي الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الأمين العام ل حزب الله السيد حسن نصر الله.
فهذا اللقاء استثنائي بكل المعايير، لا سيما في هذه اللحظة السياسية المثقلة بالتوترات والمواجهات المفتوحة في لبنان وعبره إلى الحدين الأقصيين: طهران عبر دمشق ومعها والإدارة الأميركية التي ترتدي هذه الأيام ثياب الحرب وتؤكد أنها وبرغم النصائح من داخلها لا تنوي خلعها قريباً.
إنه استثنائي، بداية، لأنه الأول . فلم يسبق للأمين العام للجامعة العربية أن التقى السيد نصر الله، حتى لقد ساد انطباع بأنه وبسبب من حساسية موقعه ممنوع من لقاء هذا القائد اللبناني الذي اكتسب مكانة عربية مميزة خلال السنوات الماضية من الجهاد من أجل التحرير ، ثم جاءت الحرب الإسرائيلية على لبنان لتعطيه صورة البطل العربي والإسلامي في معظم عواصم هذا العالم الفسيح والذي يتشهى كسرة انتصار.
ثم أنه استثنائي لأنه يقع في لحظة اشتباك عربي عربي عنيف منطلقه لبنان والنصر الذي تحقق فيه، خصوصاً أن بعض القادة العرب أرادوا الاستقواء به على من كانوا في خانة الحلفاء أو الرعاة والناصحين بالاعتدال، فكان أن حل الغضب محل الرعاية… وقد انعكست نتائج ذلك الغضب الذي لما يهدأ على تطور الأحداث في لبنان، فتفاقم الخلاف السياسي حتى كاد يصير شجاراً في الشارع، خصوصاً وقد تداخل مع أمور جسيمة أخرى لها حساسيتها الفائقة ولها مستثمروها الكثر.
كذلك فإنه يقع وعمرو موسى قادم مباشرة من واشنطن، وبعدما ألغى مواعيد محددة في نيويورك لوداع الأمين العام الخارج من الأمم المتحدة، كوفي أنان، وتهنئة خلفه الكوري بان كي مون.
وفي واشنطن التي وصلها من بيروت التي كانت تموج بتظاهرات الخلاف المرشح لأن يصير صداماً مفتوحاً، كان عمرو موسى، صاحب التجربة الدبلوماسية الطويلة وصاحب المعرفة العميقة بأحوال العرب وعنوانها تدهور مكانتهم في العالم، قد تحادث (ولو هاتفياً) مع وزيرة الخارجية الأميركية والتقى فسمع من أصدقاء له قريبين من دائرة القرار، وهكذا فهو قد عاد إلى بيروت ليحوّل اتصالاته فيها إلى مشروع مبادرة عربية تلحظ ضمنها الجهد الذي بذله، في فترة غيابه عن بيروت، المبعوث السوداني الذي ترئس بلاده القمة العربية المستشار مصطفى عثمان إسماعيل، الذي عرف كثيراً فاكتفى بأن يكون ناصحاً وخبيراً..
لهذا كله، فمن حق المتابع البريء أن يفترض أن اللقاء الاستثنائي بين عمرو موسى والسيد حسن نصر الله لا بد أن تكون له نتائج طيبة، في سياق المبادرة العربية.
ومن حق المتابع، الذي يستريب في أي واقعة، أن يفترض أن الجهد الذي يبذله عمرو موسى لا يستند فقط إلى عاطفته تجاه اللبنانيين ولا إلى واجبه من خلال موقعه الرسمي، وإنما يستند إلى موافقة ولو ضمنية، أو إلى عدم ممانعة من طرف الإدارة الأميركية، وكذلك من طرف بعض الأطراف العرب الأساسيين.
فليس عمرو موسى مستجداً في كار الدبلوماسية، ولا هو طارئ على السياسة العربية وشبكة تحالفاتها ومخاصماتها المعقدة… وبالتالي فهو يعرف، بالدقة، ما تقصده كوندليسا رايس بكلامها الذي استبق وصوله إلى بيروت، وقد جاء فيه ما لا يمكن تجاهله، مثل إن مستقبل لبنان غير قابل للتفاوض حتى مقابل إحلال الأمن في العراق … ومثل أن سوريا تعمل لإسقاط الحكومة المناهضة لها في بيروت ، ومثل أن الإدارة الأميركية تدعم قوى 14 آذار بشكل مطلق كما تدعم أهدافهم وشرعيتهم .
إذن، فخبر اللقاء غير عادي، بظروفه وتوقيته، خصوصاً أن عمرو موسى هو أرفع المسؤولين العرب الذين التقاهم نصر الله، وهم قلة قليلة كان عندهم من الشجاعة ما يكفي لطلبه، ثم كانت عندهم الجرأة للإعلان عنه.
كذلك فإن المسافة فلكية بين واشنطن دي. سي وضاحية بيروت الجنوبية، حيث البطل المحاصر الذي يكاد يكون محروماً من نور الشمس، خصوصاً بعدما تكاثر عدد محاصريه في الداخل وفي المحيط العربي فضلاً عن القدامى والدائمين ممن يصنفونه عدواً … ومع أن عمرو موسى مبادر متميز إلا أنه لم يعرف عنه أنه مغامر ولا اشتهر عنه التهور في الحسابات.
من هنا إن كثيراً من اللبنانيين قد تعاظم أملهم بأن تنجح المبادرة العربية فتفتح نافذة في الجدار الذي بات مسدوداً، خصوصاً بعد بعض التحركات المحلية التي تمت أمس فأوحت بالتصعيد والاندفاع إلى التحدي.
فلنأمل خيراً… أقله في انتظار أن نسمع من عمرو موسى ما يقطع الشك بيقين القدرة على إنجاز حل يسمح للبنانيين بالتنفس، وقد كادوا يختنقون في ظلال أزمة هي أقسى عليهم نفسياً ومعنوياً من الحرب الإسرائيلية على لبنان.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان