كان ـ يا ما كان ـ لبنان بلد الاصطياف والسياحة والمتعة، صيفاً وشتاء، خريفاً وربيعاً، أناء الليل وأطراف النهار، في المدينة كما في مصايف الجبل وشواطئ البلدات على الساحل..
وكانت بيروت عاصمة متلألئة بحركتها السياسية ذات التوجه الوطني ـ القومي، وصحافتها منابر العرب من كل لون وطيف: فيها العروبي التقدمي واليساري وفيها الرجعي الملكي وفيها النفطي والمضاء بالغاز إلى جانب الصحف ـ الشمعات.
كانت بيروت ميزان تحرك العرب إلى الامام في اتجاه مستقبلهم، هي المرصد: تعرف منها بماذا تفكر الشام، وماذا تخطط القاهرة، وماذا تحضر العواصم البعيدة بالتواطؤ مع اهل المال والنفوذ في بيروت ومنْ خَلفهم فيها وفي الجوار.. ضد حركة تقدم العرب إلى غدهم..
وكانت في بيروت، ايضاً، أصداء لما تخططه واشنطن ولندن وباريس، وصولاً إلى موسكو،
لكن بيروت كانت “أميرة” بذاتها، تتابع فتعرف، ويأتيها من يريد أن يخطط للمستقبل فيرصد “الحركة” في مجمل الوطن العربي، بدءاً من فلسطين وانتهاء بها، ثم التهمتها الحرب التي استدرجت من في الخارج إلى الداخل، وتمكن منها الاهتراء فذهبت قيمة الرئاسات والوزارات والنيابات: “دار الفلك، فصار الجحاش ملك”، على حد ما كانت تقول الخالات..
وها أن في كل موقع ممتاز “جحاشا” يسلم قياده لصاحب الامر المستقر في واشنطن، او للوكيل الذي هبطت عليه ثروة خرافية يتوه بين أصفارها فيسلم الامر للخبراء، وهكذا يصير “الجحاش” ملكا، والخبراء اصحاب سمو او اصحاب دولة، ويصير “المواطنون” رعايا..
لهذا فان لبنان، اليوم، دولة مفلسة، تهرب من ديونها إلى مزيد من الديوان، وتكافح الفساد فيها الذي بات شاملاً حتى اصاب القضاء في حصانته، وخرب الادارة، وتزايد النهب حتى أن المواطنين على حافة الجوع او في المطار في طريقهم إلى جهنم الخارج وبئس المصير..
باتت بيروت “جارية” يمتلكها الاغنى، وأُخرج اهلها منها إلى الجبال القريبة وتكدس في ضواحيها الفقراء حتى كادوا يختنقون، وغمرتها القمامة حتى ضاعت ملامحها الاصلية..
والقاعدة: من له يُعطى ويُزاد، ومن ليس له يؤخذ منه..
واسألوا سعد الحريري وجبران باسيل وسائر اصحاب الالقاب المذهبة!