انتدب أهل غزة أنفسهم ليكونوا شعب فلسطين، كل فلسطين، بشعبها المقيم، بعد، في ارضه، كما الذي هجره الاحتلال الاسرائيلي المعزز بالدعم الاميركي المفتوح، والتخاذل العربي المخزي حتى لكأنه تواطؤ مع المحتل..
هكذا، وبعد ما توهم العرب، بأنظمتهم المتخاذلة، أن “القضية المقدسة” قد اندثرت وبات بإمكانهم أن يضعوها خلفهم، ويمشوا في اتجاه غد “متحرر” من فلسطين، مبني بالشروط الاسرائيلية التي وافق عليها الملوك والرؤساء طلباً “للسلام” وهدأة البال والاستمتاع بثروات النفط والغاز في ظل الاستسلام.
لكن شعب فلسطين، ممثلاً بأهل غزة اساسا، وسائر المجاهدين في مختلف بقاع الارض المقدسة، رفض الاستسلام وأصّر على الاستمرار في المقاومة بما تيسر من اسبابها (القنابل واصابع الديناميت ورصاص المسدسات والرشاشات متى أمكنه تهريبها ومن ثم استخدامها..).
هكذا وعلى امتداد السنوات كان الشعب الفلسطيني في غزة يخرج كل يوم جمعة إلى الشريط المكهرب الذي نصبه العدو للفصل بين العين والعين ليسقط هذا الشريط بأجساد شبابه، وليتجاوز بالحجارة المقدسة يرجم بها جنود العدو الاسرائيلي المختبئين داخل دباباتهم او خلف الدشم التي لا تخفي مدافعهم والرشاشات الثقيلة، يحاولون صد هذا الهجوم السلمي، بسلاحه البسيط: الحجارة المقدسة..
بالأمس ضاق نتنياهو ذرعاً بهؤلاء الفتية الذين يتحدون صواريخه وطائراته ودباباته ومدفعيته، فأرسل طائراته الحربية اميركية الصنع تقصف البيوت والمدارس والمستشفيات وعابري الطرقات، بغاية القتل والمزيد من القتل “لتأديب” هؤلاء الفتية الذين لا يملكون من سلاح غير الحجارة.. وان امتلكت التنظيمات الجهادية الصواريخ والطائرات الورقية حاملة القنابل الحارقة.
المعركة غير متكافئة بطبيعة الحال.. لكن الارض لا تقتلها الصواريخ، وهي ولادة.. وبالتأكيد فان اهل غزة سيشيعون شهداءهم ويعودون إلى مواصلة الجهاد في ارضهم ومن اجلها، بما تيسر لهم من سلاح.
هي المعادلة التاريخية المقدسة بين السيف والدم.. وهي مكلفة، بطبيعة الحال، لكنها الخيار الوحيد لتحرير الارض، وسط تخاذل “الاخوة المهزومين” وتواطؤ انظمتهم المدانة بالخيانة العظمى والتخلي عن الارض المقدسة لغاصبيها المعزز بالدعم الاميركي المفتوح والتخاذل العربي المكشوف والصمت الدولي امام جبروت ترامب ومشروعه الامبريالي الجديد الذي اعطاه تسمية “صفقة القرن”، متباهيا بأنه سينجز ما عجز عنه اسلافه من الرؤساء الاميركيين، بأفضال الملوك المستسلمين والرؤساء الجبناء وامراء الذهب الاسود والابيض، الذين باعوا فلسطين ومعها نفطهم وغازهم في سوق النخاسة من اجل أن يحموا عروشهم التي اقيمت ذات ليل او ليالٍ، على حساب الامة وحقوقها في ارضها وثروات هذه الارض المباركة.
من آسف، يا أهلنا في غزة اولاً وسائر فلسطين، اننا لا نملك لنصرتكم الا الدعاء، والدعوة لنصرة قضيتكم، وهي قضيتنا المقدسة ايضاً، والا فضح هذا التخاذل الرسمي العربي الذي بات يؤثر على جماهير شعبنا، خصوصاً وهذه الانظمة العاجزة إلى حد الاستسلام تمارس اقسى انواع القهر ـ بالسجون والمعتقلات ـ على الشعب العربي في معظم بقاع الارض العربية، او بالذهب والتآمر على الانظمة والقوى التي ما تزال تؤمن بالتحرير طريقاً إلى النصر على العدو الاسرائيلي ومعه الامبريالية الاميركية.
والنصر لغزة، لفلسطين، للأمة، مهما طالت اعمار انظمة القهر التي لن يحميها قهر ارادة شعوبها. وها هو شعب الجزائر، وبعده ومعه شعب السودان ينتفضان ويسقطان انظمة الطغيان وتهتف الجماهير في البلدين الثائرين لفلسطين وشهدائها، وفي أيادي الثوار علم فلسطين تدليلاً على معرفتهم العميق بأن التحرر من الدكتاتورية لقيام الحكم الوطني والتقدمي هو الطريق ليس فقط لوصول شعبي الجزائر والسودان إلى حقوقهم، بل لتعزيز صمود الشعب العربي في وجه الدكتاتورية حتى اسقاطها.. وتلك خطوة على طريق تحرير فلسطين.