لأن الانقسام في لبنان »جذري« و»شامل« و»عقائدي« مموه بالخلافات الطائفية والمذهبية لطمس طبيعته السياسية، فهو قد امتد الى »هوية« الرئيس الاميركي الجديد باراك حسين اوباما، وإلى مواقفه من قضايا العالم وأزماته، كما حددها في خطاب التنصيب ثم في شرحه التفصيلي لسياسة العهد الجديد، وبالذات منها ما يتصل بما يسمى »ازمة الشرق الأوسط«، خلال الاحتفال بنقل السياسة الخارجية الى السيدة هيلاري كلينتون.من كان يعتبر لون بشرته وعذاب التمييز العنصري، واسم ابيه بأصوله الأفريقية ـ »الإسلامية«، وطفولته البائسة، بمثابة صلات قربى مع العرب والمسلمين والملونين عموماً، فجع حين سمعه يتحدث عن إسرائيل ـ الخارجة للتو من حربها على شعب فلسطين في غزة، وأيادي قياداتها السياسية والعسكرية وجيشها جميعاً ملطخة بدماء الأطفال والنساء والشيوخ والمدارس والبيوت الفقيرة والمساجد ـ باللغة ذاتها لإدارة سلفه جورج. و. بوش ووزيرة خارجيته السمراء كوندليسا رايس.أما من شب وشاب على الإيمان بأميركا قائدة للعالم الحر وزعيمة لمعسكر الديموقراطية والتقدم وحقوق الإنسان، فلم يشغله كثيرا توكيد الرئيس الجديد التزامه ثوابت السياسة الاميركية تجاه اسرائيل، وبالتالي تجاه فلسطين وحقوق شعبها بدولة له فيها، وتجاه العرب عموماً، لأنه لم يكن يطلب او يريد ـ اصلاً ـ أي تغيير… فهو مع البيت الابيض بغض النظر عن ساكنه (ولونه!!)، ومع السياسة الاميركية بتفاصيلها جميعاً، وإن هي تطابقت مع الأهداف الاسرائيلية… ولتذهب فلسطين وشعبها كله والمقاومة، أي مقاومة، الى الجحيم!في كل الحالات فإن التغيير في واشنطن قد احتل، على الفور، موقعه على خريطة »حرب الانتخابات النيابية« في لبنان… ولقد تعجل بعض اصدقاء اميركا اتخاذه كمصدر للدعم، وتعززت آمالهم ـ هم اصدقاء »المحافظين الجدد«، المتهمين بتخريب السياسة والاقتصاد والأمن القومي الاميركي ـ بانتصار كاسح يوفر لهم اكثرية مطلقة، ويلغي معادلة »التوافق« في الدوحة، وربما الدوحة ذاتها، وما تفرع عنها وأهمه حكومة الوحدة الوطنية بالثلث الضامن فيها. بل لقد اعيد توظيف »احداث السابع من أيار« كرافعة للموالاة، برغم المخاطر الطائفية والمذهبية وتفجراتها المحتملة.تم مسخ التغيير الذي رآه العالم جميعا محطة بارزة في التاريخ الاميركي الحديث، بكل ما يتضمنه من إدانات وصلت حد التشهير بالادارة الاميركية الراحلة وما تسببت به من كوارث اقتصادية هددت النظام الرأسمالي جميعاً، وما اصاب العالم على يديها ـ والعرب خصوصاً ـ من نكبات بدعمها المفتوح لإسرائيل وحروبها المتواصلة، ولأنظمة التخلف والقمع والدكتاتوريات، وصولاً الى اجتياح العراق واحتلاله وتفكيك ركائز وجوده كدولة ودفعه الى جحيم الحرب الاهلية والتفكك عرقياً وطائفياً ومذهبياً.ولكن… لماذا العتب على محترفي السياسة في لبنان او الهواة منهم، طالما ان »قادة الأمة« وحملة الالقاب المفخمة بالجلالة والنسب الشريف او الوظيفة المشرفة، وبينهم من وضع السيف في يدي جورج بوش وراقصه، وبينهم من رفع إكراما له انتاجه النفطي وخفض له اسعاره، وبينهم ايضا من تآمر معه ومع اسرائيل في حربها على لبنان في تموز ،2006 فضلا عن التآمر على فلسطين وإهدار قداسة قضيتها وحقوق شعبها بين خريطة الطريق والرباعية ولقاء أنابوليس الذي اقر »شرعية« دولة اليهود فوق أرضها.لماذا العتب على السياسيين الصغار في لبنان طالما ان »قادة الأمة« قد تعبوا من التلاقي فوق القمم، عربية او مطعمة بالثقل الاوروبي، من دون ان ينجحوا في وقف الحرب الاسرائيلية على شعب فلسطين في غزة، او في رفع الحصار عنها بعد اجتياحها، او في فتح المعابر ولو لجرحاها الذين تجاوزوا الخمسة آلاف، فضلا عن ايصال الادوية والمؤن والغذاء والخيم والبطانيات للآلاف ممن دمرت منازلهم فباتوا بلا مأوى غير انقاض بيوتهم التي توارثوها عن اجدادهم او بنوها بعرق الجباه والزنود مطعما بدماء الشهادة؟
