بينما يدمّر الاحتلال الأميركي دولة العراق ويحرّك الفتنة ويرعاها لتمزيق وحدة هذا الشعب الذي من أرضه بدأ التاريخ..
وبينما ينسف الاحتلال الإسرائيلي حلم الفلسطينيين بدولة ولو على أجزاء مقطّعة الأوصال و معازل متباعدة خلف جدار الفصل العنصري، في الأرض المقدسة التي يعيشون عليها وبها ومعها منذ آلاف السنين..
… ترتكب الزعامات والقيادات والمرجعيات والوجاهات الطائفية والمذهبية المموّهة بالشعارات السياسية، خطأ تاريخياً فادحاً بسلوك مسلك من يريد تدمير الدولة، تمهيداً لوراثتها، أو وراثة ما يتبقى منها..
ولولا شيء من التحفظ تفرضه الرصانة لكان سهلاً اتهام هؤلاء جميعاً بأنهم يشاركون بوعي أو بعمى ألوان منبعه قصر النظر أو النرجسية أو سوء القراءة، أو كل ذلك معاً في تنفيذ مشروع خطير لتفتيت المشرق العربي إلى دويلات ودوقيات ومتصرفيات طائفية ومذهبية وعرقية الخ..
ولولا شيء من التحفظ والرصانة معاً لأمكن اتهام هذه الزعامات والوجاهات والمرجعيات والقيادات بأنها قصدت أم لم تقصد إنما تقدم خدمة جلّى لإسرائيل، المستفيد الأول من تفتيت هذه المنطقة وتدمير هويتها الجامعة تمهيداً لتبرير وجودها المفرد كدولة صهيونية قاعدتها الدين، وبالتالي لفرض سيطرتها باعتبارها الأقوى بسلاحها النووي وبالدعم الأميركي المفتوح، وبالخوف الأوروبي من تهمة العداء للسامية، كما بتهالك جيرانها من الدويلات المعتلّة، والتي لا تمانع أي منها في الاستعانة بالشيطان ضد من كانوا في مواقع الأشقاء والشركاء في الحال والاستقبال ووحدة المصير.
ليس أسهل من اتهام هذه القيادات بقصر النظر، وبنقص في الوعي، وبأميّة سياسية تجعل كل مرجعية منها تقدّم نفسها على الأمة والوطن، ومن باب أولى على الدولة الواحدة الموحدة… ومن أنها لا تتردد من أجل تحقيق مصالح هيمنتها ولو على بضعة كيلومترات مربعة تقيم عليها دويلتها الصافية طائفياً أو مذهبياً في أن تدمر ليس الدولة التي كانت تشكل بعضاً منها بل كامل المشرق العربي .
وفي عودة إلى البداية: هل هي مصادفة أن تتفجر كل هذه الحماسة لتدمير الدولة في لبنان بينما يكاد اندثار الدولة المركزية في العراق ليشطر أرض الرافدين إلى عدد من الدويلات المقطّعة الأوصال والمتحاربة والمنهكة بفقرها وباسترهان إرادتها للاحتلال الأميركي.
أليست المؤشرات قاطعة في وضوحها بأن الأكراد يمكّنون لدولتهم في الشمال، التي غدت أمراً واقعاً ، بينما الصدامات المدبرة والاشتباكات والمجازر التي هي من فعل فاعل وتنفيذاً لفتاوى الذين أطلوا على العالم عبر عملهم لحساب المخابرات المركزية الأميركية في أفغانستان، ثم أخذوا يمدّون ظلهم الدموي حيثما استطاعوا وعلى الأرجح بتسهيلات أميركية مباشرة أو عبر بعض الأنظمة المستولدة؟!
أليست الدماء المهدورة غيلة، في جرائم جماعية منظمة لإحراق العراق بنيران الفتنة دليلاً ساطعاً على إنجازات الاحتلال الأميركي؟
إن الخطة باتت معلنة، يتحدث عنها القادة الأميركيون والقادة الإسرائيليون بلا تهيّب: إنهم منفردون ومشتركون يهدفون إلى تفتيت هذه المنطقة التي نُزعت عنها هويتها العربية، وأعطيت اسم لقيط الشرق الأوسط ، واستنبات مجموعة من الدويلات الطائفية والمذهبية والعنصرية، حيثما يتعذر استخدام الانقسام الديني وحده..
ويفترض بالقيادات السياسية أنها تعي خطورة هذا المخطط وشموله لبنان، حتى من قبيل تدمير النموذج الناجح للانصهار الوطني بين مواطنين ينتمون إلى أديان وطوائف ومذاهب متعددة، وعلى قاعدة الدين لله والوطن للجميع، وهو شعار أثير على قلوب من يعملون ضد هذه القاعدة.
إن المناخ السائد حالياً سيقود إلى تدمير الدولة في لبنان، بأيدي من يفترض أنهم المسؤولون عنها، سواء أكانوا في مواقع الحكم أو المعارضة، فالمسؤولية الوطنية لا تنبع من السرايات ولا من قصور أهل السلطة، بل إن مصدرها الضمير والعقل والمصلحة أيضاً، مصلحة المواطنين جميعاً.
والوطن لا يكون بالأناشيد والأغاني الجميلة والدبكة والسيف والترس.
وفي لبنان، على وجه التحديد، الدولة هي ضمانة الوطن، فمن عبث بالدولة وحاول تخريبها يمكن اتهامه بكل راحة ضمير انه إنما يدمر الوطن.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان