»إن التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان غير مقبولة إطلاقاً، لا مصرياً ولا عربياً، ولا قانونياً ولا منطقياً… وسيظل الموقف موقف مقاومة إلى أن ينتهي الاحتلال الإسرائيلي للبنان«.
كان لبنان ينتظر مثل هذا الكلام الطيب الذي أعلنه وزير خارجية مصر، عمرو موسى، قبل اليوم، ولعله كان يُؤمل أن يكون أقوى، بل لعل اللبنانيين، وغيرهم من العرب، قد تمنوا لو أن مثل هذا الموقف كان واضحاً ومبلَّغاً لرئيس حكومة إسرائيل إيهود باراك، إذن لما كان تجرأ على إطلاق تهديداته ضد لبنان من قلب القصر الجمهوري في القاهرة وبحضور الرئيس حسني مبارك.
ولن »نتطرف« فنقول إن اللبنانيين كانوا يتمنون لو أن مصر، بعد تصريحات باراك التي شملت »بألطافها« الفلسطينيين وسوريا، إضافة الى لبنان، قد علّقت مشاركتها في اجتماع »المتعددة« في موسكو، أو لو أنها أقله أثارت الأمر في جلسة افتتاح ذلك المؤتمر الذي يستهدف تأمين »الرفاه« لإسرائيل (وعملياً: الهيمنة على المنطقة) بعد التسوية العتيدة؟!
ولن نذهب إلى أقصى »التطرف« فنقول إن إيهود باراك قد نجح في مخادعة مصر ورئيسها، فقصدها لا لكي »يبيعها« شيئا من »التنازل«، بل لكي يحرجها مع الأقرب إليها من المسؤولين العرب (السلطة الفلسطينية) فيظهرها عاجزة عن حماية الحد الأدنى من الحقوق (بعد حسم التنازلات المتوالية)، ناهيك بأن »يخرجها« مجددا من المسار السوري، ثم يندفع الى أقصى حدود الاستهانة فيهدد لبنان علناً من حيث يتوقع اللبنانيون وبحق أن يجيئهم الدعم، ولو معنويا، بعدما عزت الحماية!
المؤلم أن الوضع بدا معكوسا الى حد الإيلام.. إذ كان الطبيعي ان تكون العملية البطولية لمجاهدي المقاومة في لبنان التي تمّ فيها إعدام العميل السفاح عقل هاشم مناسبة ليس فقط للاعتزاز مصرياً (وعربياً) بل أيضاً لمواجهة باراك بأن إصراره على سياسة »السلام مع الاحتلال« ليست مقبولة مطلقا، فضلاً عن أنها مستحيلة التنفيذ، وهي بالتأكيد لن تسهم في فتح أبواب الأرض العربية أمام المطامع الباراكية.
لقد تجاوز باراك في القاهرة اللعبة الممجوجة للعب على المسارات الى ما هو أكثر إهانة للعرب، إذ تصرف وكأنه يستطيع توجيه التهديدات من قلب أكبر عاصمة عربية الى اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين أيضا.
.. من دون أن ننسى أنه وجّه الى القاهرة لطمة مباشرة حين أكد نكوصه عن الالتزامات الإسرائيلية بالانسحاب من بعض البعض من أراضي الضفة الغربية المحتلة، فضلاً عن تنكره للموعد المعلق أبداً للانتهاء من تدبيج »اتفاق الاطار« للحل النهائي الذي لن يكون أبداً،
ذلك أن القاهرة ليست فقط راعية »المسار الفلسطيني« أو ما تبقى منه، بل هي في موقع الضامنة لاتفاق شرم الشيخ الذي تمّ على أرضها وبرعايتها والذي نثره باراك مع الرياح الثلجية التي ضربت المنطقة قبل أيام!
وباختصار: فلقد انتظر اللبنانيون مثل هذا الموقف الطيب قبل اليوم، ليس من أجلهم بل من أجل مصر أولاً وأخيراً، وطلبوه باسم حقهم على مصر، وباسم تقديرهم لمصر، فالاستهانة بمصر اعتداء على كرامة العرب جميعا.
ولعل اللبنانيين يأملون، بعد، أن تترجم القاهرة هذا الموقف الطيب من خلال إعادة نظر ما، أو تدابير زجرية ما تتخذها بحق باراك المعتد بذكائه أكثر من اعتداده بقوته العسكرية، والذي يحاول أن يوظف الضعف العربي لتعزيز موقعه السياسي داخل إسرائيل، ثم تصدمه الوقائع القاسية (عمليات المقاومة البطولية وصمود الموقف السوري بالتلازم مع المسار اللبناني) فيهرب الى مزيد من التطرف المغلف بابتسامة مخملية، مفترضاً أن العرب أو بعضهم لا بد سيتراجعون فيوفرون له مخرجاً لائقاً من أزماته الداخلية الشخصية منها والعامة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان