أثناء كلمته في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن عقب الهجوم الإيراني على اسرائيل، استخدم المندوب الاسرائيلي عدة مرات كلمة الشيعة، كما عرض صور المسجد الأقصى تحوم حوله المسيرات الإيرانية التي تصدت لها وأسقطتها الدفاعات الإسرائيلية. لمحَّ إلى أن إسرائيل حمت الأماكن المقدسة للمسلمين (السنة) وأن إيران “الشيعية” هي مصدر الشرور في العالم وعلى المسلمين (السنة) خاصة. لعب بوقاحة كبيرة على عصبٍ طائفي سني شيعي ملتهب أصلاً.
هذا كلام قديم / جديد لكنه قد يجد ترجمته على الأرض أكثر اليوم. والواقع أن محاولة مقايضة العداء لإسرائيل بالعداء لإيران بات لها من يناصرها عربياً وعلى مستوى دول وازنة.
يجدر هنا قراءة التاريخ والانتباه إلى ما حصل في لبنان في ثمانينات القرن الماضي حين لعبت اسرائيل على وتر الطائفية المسيحية الاسلامية. خسر المسيحيون ولم يربح المسلمون وأصبح الانقسام المسيحي الإسلامي انقسامات أهمها اليوم الانقسام السني الشيعي.
– لامصلحة لإيران بالتصعيد، الرد المُعلنْ عنه سلفاً والذي تُركَ الوقت لصده يقول ذلك. وإيران لاتريد تهديد ما حققته على صعيد النفوذ الاقليمي خلال عقود في عدة دول عربية، بخوض حرب مع طرف قوي ونافذ دولياً مما يعرض كل مكاسبها للخطر.
– بالمقابل، لإسرائيل مصلحة كبرى في حرب مع إيران لأسباب قديمة استراتيجية (الحد من النفوذ الإيراني على حدودها ـ تقويض المشروع النووي) ولأسباب حالية تكتيكية (الخروج من العزلة الدولية ـ تحويل الأنظار عن غزة ـ إنقاذ نتنياهو).
ـ الحرب، إن حصلت، ستكون بمبادرة إسرائيلية لا إيرانية وهي بحاجة إلى غطاء أميركي تدخل فيه حسابات أميركية داخلية. لايمكن استبعاد توريط أمريكا في حرب لم تختر توقيتها.
– لا حدود مشتركة بين اسرائيل وايران. وبالون الاختبار الذي أطلقته المسيرات الإيرانية سمح بإظهار حدود ومواقف بعض الدول العربية، الأردن مثلاً. الحرب لن تسمح لأية دولة عربية بالحياد. إما مع هذا الطرف أو ذاك.
يجدر الانتباه هنا إلى مزاج الشارع العربي المتعاطف مع فلسطين وموقفه من حرب لن يكون مسرحها إلا لبنان وسوريا والعمق العراقي واليمن الحوثي.
– انحياز الدول العربية ضد فلسطين أو وقوفهم على الحياد (إن أمكن) يعني في أحد وجوهه أن فلسطين كقضية وكبلد وكشعب ستكف وبشكل واضح ومعيب عن أن تكون قضية عربية. هذه خطيئة استراتيجية هائلة. لنضع الأخلاق والقيم جانباً، لامكان لها لدى القادة العرب. لنتفق فقط أنه حتى لو لم يكن لفلسطين أية قيمة أخرى سوى أنها سلعة يُتاجر بها فإن فقدانها خسارة بالمفهوم السياسي. وعليه فإن تقليص نفوذ إيران في المنطقة لا يمر عبر مهادنة اسرائيل، بل عبر دور سياسي فاعل يجعل من الدور الإيراني فائضاً عن الحاجة. هذا غير حاصل حالياً.
– وأخيرا لا انحياز لإيران ولا ضدها، لا باسم الشيعة والسنة ولا تحت أي مسمى آخر. الانحياز الوحيد هو للانسان وهو اليوم فلسطيني تمارس عليه أقصى درجات العنف. هذا الانحياز كان وسيكون المعيار الوحيد كي يُبنى على الشيء مقتضاه.