ثَبُتَ شرعù أن ساعة كريستوفر إسرائيلية، وأنه لا يتحرّك إلا وفق التقويم الإسرائيلي!
فكلما تزايد »النجوم« العرب في صورة الاحتفال الأميركي بالنصر الإسرائيلي المفتوح تضاءل النفوذ العربي في واشنطن (هذا إذا افترضنا أنه كان لأولئك العرب الأميركيين نفوذ في أي يوم)..
وفي ماضي الزمان، كانت »إسرائيل الحرب« تستقوي بالقرار الأميركي وتحتمي به وهي تواجه العرب بمجموعهم أو بأكثريتهم أو بتضامنهم على الحد الأدنى،
أما اليوم فإن »إسرائيل السلام« تستقوي بالتواقيع العربية المنفردة، ولو ضمن نسق مرسوم، على واشنطن نفسها وليس فقط على العرب، الذين لم يعد لهم »مجموع« ولا »أكثرية«، وإن بقيت »أقلية الأقلية« صامدة… ومتهمة بتعطيل المسيرة و»نسف« الاحتفال الأبهى والصورة الأفخم للنصر الاسرائيلي بتمام اكتماله!
من هنا لم يفاجأ أحد بإعلان وزير الخارجية الأميركي الآتي إلى عمان بعد أسبوعين، كضيف شرف للمؤتمر الاقتصادي الذي تنظمه إسرائيل فيها، بأنه لن يزور دمشق… أما زيارة تل أبيب فلن تكون ضرورية بعدما ألغى النظام الأردني المسافة بينها وبين عاصمته الهاشمية.
فمنذ فترة يمكن التأريخ لها بالتواقيع المتوالية والمتراكمة على المبهم والملتبس من الاتفاقات التي جلها بلا مضمون، تبدلت طبيعة الدور الأميركي عمومù، وطبيعة المهمة التي كان يأتي لانجازها المحامي العجوز وارن كريستوفر عبر جولاته المكوكية في المنطقة، والتي كانت تتركز على المحطتين المتواجهتين مباشرة: دمشق وتل أبيب.
لقد ارتاحت إسرائيل بما يكفي لإراحة كريستوفر،
والفضل قطعù لعرب التواقيع أولاً، ولمارتن أنديك ثانيù،
أي أن الفضل أميركي بجوهره، في الحالين، لكنه بالنتائج إسرائيلي تمامù.
لم تضعف واشنطن ازاء العرب، لكن قوة تل أبيب في واشنطن تضاعفت مرات ومرات حتى بلغت ذروة لم تستطع الوصول إليها في أي يوم قبل هذا الفضل العربي العميم،
وعندما كان وضع حكومة إسحق رابين مأزومù نتيجة الحد الأدنى من التماسك العربي، ومرتبكù في مواجهة معارضتها الداخلية القوية، سخّرت الادارة الأميركية نفوذها وصداقاتها وكفاءة رجالها لتأمين الحماية لرابين وحكومته التي كانت تعيش مهدّدة دائمù »بأكثرية الصوت الواحد«،
يومها، »اشتغل« وارن كريستوفر على الخط بين واشنطن وعواصم المنطقة: كان ما ان يغيب حتى يهلّ من جديد »بأفكار جديدة« و»خطط جديدة لتحريك المسيرة السلمية على المسارات المختلفة«، وتحديدù على المسار السوري (ومعه اللبناني) باعتباره حبة العقد في المفاوضات الصعبة كما الحرب.
وعلى امتداد سنتين وأكثر كان كريستوفر ضيفù شبه دائم، حتى لقد جرّب معظم فنادق الدرجة الأولى في مختلف العواصم، وبات أليفù في شيراتون دمشق حتى كاد العاملون فيه ينادونه بإسمه الأول!
أما اليوم، ومع الاطمئنان إلى أن حكومة رابين قد استعادت عافيتها نتيجة العلاج بالطب العربي (الفلسطيني أساسù ومعه الأردني المعزَّز بتحليل ورثة السادات في مصر)، فلم تعد زيارة دمشق بكل المناقشات المطولة والمعقدة أو الصعبة فيها، مهمة عاجلة، وبات بالإمكان إرجاؤها.
إن كريستوفر (بل الادارة الأميركية جميعù) يتحرك في المنطقة بتوقيت إسرائيلي: يجيء إن تطلَّبت مصلحة رابين أن يأتي، ويختفي طالما لم »يسمح« له بالمجيء. ولقد حدث أكثر من مرة أن قرّرت تل أبيب إلغاء أو إرجاء جولة مقرّرة، أما الآن فلها وحدها القرار، وما على الادارة الأميركية إلا ضبط ساعتها على المواعيد المناسبة لمصلحة رابين الانتخابية، التي تحظى بالأفضلية على الانتخابات الأميركية ذاتها لأنها تتصل بالصوت اليهودي المرجح.
لقد أُبعدت عمان عن دمشق فباتت المسافة بالتاريخ، ناهيك بغزة التي تبدو الآن وكأنها في قارة أخرى، وصارت المسافة شاسعة باتساع المدى الفاصل بين حرب الأمس وسلم الغد،
كذلك فقد اختلفت اللغة جذريù حتى يكاد يتعذر التفاهم،
والأخطر أن التوقيت قد اختلف حتى لكأن لكل عاصمة زمانها: وشتان ما بين الزمان الإسرائيلي والزمان العربي.
وفي الفارق بين الزمانين فَقَدَ وارن كريستوفر وظيفته أو دوره كبيّاع خواتم… السلام!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان