اتّخذ المرشحون للرئاسة الأولى في فرنسا من لبنان خاصة، ومعه مصر وبعض أقطار المغرب ــ ما عدا الجزائر ـ “منصّة عربية” للترويج لبرامجهم الانتخابية وكسب المؤيدين في صفوف الجالية الفرنسية التي يتعاظم عديدها بأفضال اللبنانيين من حملة الجنسية الفرنسية، والذين لا يتأخرون عن أداء واجبهم الانتخابي، كما يفعلون في وطنهم الأم.
وهكذا كانت “ضيفة لبنان” قبل أيام السيدة مارين لوبين، مرشحة اليمين الفرنسي التي تصدت للمهمة بدلاً من والدها، وبزّته تطرفاً وإن بأسلوب مختلف، قد يبدو مودرن أكثر، أو هي تريده أكثر مراعاة لقواعد الدبلوماسية.
ولقد كان بين أعضاء وفد لوبين، التي تُعيب على الدول العربية عدم اعترافها بالعدو الإسرائيلي، بعض غلاة المتطرفين الفاشيين، ومن بينهم جيلبر كولار، محامي الجنرال السفاح بول أوساريس الذي قتل المجاهد “العربي المهيدي” تحت التعذيب في الجزائر، خلال حرب التحرير.
المهم، أن مارين لوبين قد حققت أخطر أهدافها من زيارة لبنان، حين اعتذر سماحة المفتي عبد اللطيف دريان عن استقباله لها، لأنها رفضت ارتداء منديل يغطي شعرها.. وهي قد شنت عليه هجوماً واتهمته بالتعصب مستشهدة بأن شيخ الأزهر قد استقبلها في مكتبه بالقاهرة من غير أن يطالبها بمنديل على رأسها.
في أي حال، فمارين لوبين لم تشعر بالغربة وهي تجول بين حكام بعض البلاد العربية وتدعو لبرنامجها العنصري، لاسيما ضدّ المسلمين الذين يتزايد خطرهم بتزايد أعدادهم مما يهدد الديمقراطية في فرنسا “الكاثوليكية”! ذلك أن الحكم في لبنان، بمؤسساته التنفيذية والتشريعية، يهيمن عليه “أهل اليمين” و”يمين اليمين” من زعامات الطوائف والمذاهب، وإنْ رفع بعضهم شعارات مضلِّلة عن العدالة الاجتماعية والمساواة وإنصاف المحرومين والمغبونين رافضي القيد الطائفي.
******
وعلى الرغم من أن أحزاب اليسار في فرنسا قد تراجعت شعبيتها بشكل ملحوظ، كما تدلّ حالة الحزب الشيوعي على وجه الخصوص، أو حتى الحزب الاشتراكي الحاكم نظرياً ومن موقع أقرب إلى اليمين منه إلى اليسار، فإن موجة العداء للإسلام والمسلمين تستبطن زيادة التأييد إلى حدّ الهوس للمشروع الإسرائيلي لمسح وجود شعب فلسطين في أرضه بمشاريع المستوطنات التي تتزايد بوتيرة لا تفتأ تتصاعد ــ منهجياً – حتى تكاد تطرد شعب الأرض المقدسة من أرضه التي كانت دائماً أرضه.. وعند المستوطنات تسقط الفوارق بين “اليمين” و”اليسار”، فإذا الجميع “صهاينة”، وإذا مشروعهم استيطاني ــ إقصائي بل إلغائي، يستهدف طرد أهل الأرض من أرضهم لتكون إسرائيل الكبرى دولة يهود العالم جميعاً.
ولم تنجح مارين لوبين في نيل الرضا الإسرائيلي الكامل، بل أنها تعرضت لاستقبال بارد، لأنّ إسرائيل تريد منها التطابق الكامل مع مشاريعها التوسعية..
ولعل مارين لوبين ستستفيد من صورتها أمام الباب المغلق لدار الفتوى في بيروت، في إهاجة “الإسلاموفوبيا” أكثر فأكثر بحيث تكسب من إثارة إضافية للمتعصبين الفرنسيين المطالبين بطرد “المسلمين”- وأكثريتهم الساحقة عربية ومن أصول مغربية، جزائرية، وتونسية ــ من فرنسا لتعود خالصة إلى أهلها الذين كفّوا عن قبول الأعمال التي لا تليق بالرجل الأبيض!
ينشر بالتزامن مع السفير العربي