إذا صحت التوقعات المستندة إلى استطلاعات الرأي الكثيفة والدقيقة، بدليل تقارب نتائجها، وإلى المواقف المعلنة لأصحاب التجربة السياسية العريضة وفي كلا الحزبين المتنافسين، فإن الولايات المتحدة الأميركية على عتبة إنهاء حقبة سوداء في تاريخها كلّفتها فشلاً ذريعاً في الداخل، بداية، ثم في الخارج وعلى امتداد العالم كله…. وبديهي، بالتالي، أن يحتجب »بطل« الفشل المدوي، الرئيس الأميركي جورج .و. بوش طيلة نهار أمس، وليس بدافع الحرص على نزاهة الانتخابات والترفع عن نصرة مرشح حزبه الذي لم يتورع عن التنصل من سياسته، كما هو التقليد فحسب، بل أساساً حتى لا يكون ظهوره بمثابة »رصاصة الرحمة« على مستقبل الحزب الجمهوري جميعاً وليس من زكّاه كخلف له ووريث لتركته الثقيلة.لا يعني هذا الاستنتاج أن الولايات المتحدة الأميركية ستنقلب مع سقوط جون ماكين إلى »دولة اشتراكية« وإلى نصيرة للشعوب المضطهدة والمقهورة، إما باحتلالها عسكرياً كما العراق وأفغانستان، وإما بدعم الدكتاتوريات والأنظمة الفاسدة بل المهترئة، للحفاظ على هيمنتها وتحكّمها وسيطرتها على مصادر الطاقة وأسباب الحياة فيها…مرة أخرى، إنه »الاقتصاد يا غبي« الذي سيكون عنوان الهزيمة التي سيمنى بها حزب جورج بوش الذي شن حربين عسكريتين استعماريتين في أفغانستان والعراق، على بُعد آلاف الأميال عن بلاده، فدمرهما ثم عجز عن الانتصار (؟) بينما كان النهب المنظّم لأسباب حياة مواطنيه يقود أغنى بلاد الأرض إلى كارثة مالية مريعة ستعاني من آثارها لجيل أو جيلين… وبمعزل عمّا أصاب وسيصيب اقتصاديات دول العالم، المتقدم بداية ثم المتخلف من ويلات بينها موت الملايين جوعاً (في آسيا وأفريقيا)، فضلاً عن الكوارث البيئية التي خرّبت قوانين الطبيعة والتي ستبدّل المناخ في الكرة الأرضية جميعاً بكل ما ينجم عن هذا التبدل من آثار مدمرة.إن إدارة جورج بوش ستخرج من البيت الأبيض، بكل أركانها، وقد تركت بلادها مثخنة بالجراح في الداخل، أما في الخارج فهي الدولة المكروهة من معظم شعوب الأرض، بمن في ذلك شعوب دول كانت تعتبر حليفة تاريخية، وأخرى كانت مبهورة بمشهد القوة المطلقة التي تقرّر مصائر الخلق جميعاً..المفارقة جلية: بقدر ما تكره الشعوب الإدارة الأميركية ونزعة الهيمنة الأميركية والاستعلاء الأميركي، فإن هذه الشعوب لا تخفي إعجابها بالمجتمع الأميركي، بحيويته، وقدرته على صهر الوافدين الذين لا تنقطع طوابيرهم الذاهبة إلى »الأرض الجديدة« مساقة بالانبهار وتوفر الفرص لاجتراح معجزات في النجاح السريع والوصول إلى أعلى المناصب، وإلى تحقيق إنجازات باهرة في المجالات العلمية والتقنية الحديثة.وبالتأكيد فإن شعوب الأرض قد تابعت خلال الأيام القليلة الماضية، ثم سهرت الليل الفائت بطوله، »تتفرج« على الانتخابات في بلاد الديموقراطية في الداخل وللداخل… والحرب والهيمنة للخارج ودول الخارج، سواء أكانت من محور الشر أم من الحلفاء التاريخيين!وفي بلادنا فإن الناس قد »تفرجوا« بمتعة على الانتخابات الأميركية، بينما هم غالباً ما »يتفرجون« بحسرة وكمد وغيظ على الانتخابات عندنا، أي في الوطن العربي خصوصاً ـ وضمنه لبنان بديموقراطيته التوافقية ـ ثم في أرجاء العالم الثالث عموماً.عندهم النتائج النهائية قد تتوقف على »صوت انتخابي واحد«، كما حدث في ولاية فلوريدا، قبل ثماني سنوات، وبغض النظر عن الطعون التي قدمت… ذلك أن »النظام«، بأسسه ومنهجه وتوجهاته ثابت ومستقر، أما »الإدارة« فيمكن تغييرها ـ ديموقراطياً ـ ولمصلحة النظام، ومن داخل النظام الذي تجاوز احتمالات التغيير منذ عهد بعيد..أما عندنا فنتفرج على الانتخابات في بلادنا، ونحن نعرف أن النتائج مقررة سلفاً، وبغض النظر عن أعداد المقترعين وبرامج المرشحين المخصصة للاستهلاك… وفي العادة فإن النتائج تأتي محققة لشعار »الحرب في الداخل مقابل التنازل أمام الخارج«، فالخارج هو ولي الأمر وبيده مصائر الأنظمة والحكام. و»الخارج« يحمي ويصون الأنظمة الأكثر استبداداً والأكثر تخلفاً لأنها تطيعه في كل ما يطلب، من دون اعتراض
