لوحدك! لكنك الكل! شعبك وجيشك المعمّد بالدّم وأمتك جميعاً!
لوحدك! ولكنك لبنان واللبنانيون جميعاً من جنوب الجنوب إلى شرق الشرق ومن شمال الشمال إلى غرب الغرب، وعرب المشرق وعرب المغرب ولو كره حكّامهم الجبناء.
لوحدك! ولكنك لبنان كله! لست طائفة ولست مذهباً، لست جهة ولست فريقاً لست طرفاً في خلاف وليس إلا العدو عدواً. أنت الاسم والمسمى: أنت في الميدان الناس جميعاً.
لوحدك! لكنك نحن. وجهك القمح وجذعك زيتونة مباركة، في قلبك أرضك وفي يدك حقك ودمك هو السلاح وشارة النصر.
لوحدك! لكأنك الأمة كلها! عدوها يملأ عليك الأرض ناراً، سيد الأفق بطائراته والحوامات، بقذائفه قاتلة الأطفال، وصواريخه هادمة البيوت والجسور والطرقات والمطارات والمرافئ وأهراءات القمح!
لوحدك! لكأنك الدائرة ومركزها من بنت جبيل إلى القبيات، ومن الضنية والمنية وجبل تربل إلى صور والنبطية وشمع، أنت من طرابلس الشام ومينائها الأمل إلى الخيام وبرعشيت وقبريخا، أنت من صيدا المجيدة وإقليم الخروب والشوف إلى جباع وجزين وحبوش، أنت من بعلبك والعين ورأس بعلبك والقاع والهرمل ووادي فعره إلى حامات والبترون وجونية التي لا يهمها هدير البحر، أنت من الضاحية النوارة إلى بيروت الأميرة ومنارتها التي اغتالها عدوك الذي يكره النور!
لوحدك! لكأنك الكل! هذه مروحين لكأنها قانا: الأطفال نتف من اللحم الممزق في قبضات الأيدي، وأحلامهم في أكياس سوداء يحملها أهلهم كالنذور. عشر سنوات، وقبلها عقود، والوحش يلغ في دمائهم ولا يرتوي.
لوحدك! لكأنك الأمة جميعاً.
لوحدك! والكل يخافك. عدوك يقاتلك فتقاتله وجهاً لوجه. أما العضاريط من القادة والصناديد من الزعماء فيخافون ويهربون من المواجهة إلى المؤامرة!
لوحدك! والكل ممّن يتحكّمون بشعوبهم فيسجنونها يرتعدون من صورتك. لقد صالحوا العدو على دمك، ولكنك تفاجئهم كل حين بأنك تتوالد من إرادة شعبك فإذا أنت كثير كثير وهم قلة، وإذا أنت قد وأدْتَ الخوف وهم يرتعدون خوفاً من عدوك قليلاً ومنك كثيراً. أنت تفضحهم فيتبرّأون منك، ولو استطاعوا لقتلوك لكنك الأقوى. إذا كنت أقوى من عدوك جبار هذه الأرض، فأينهم من قوتك؟
لوحدك! لكأنك جميعنا. أنت بأرضك وهم باعة الأراضي. أنت بأهلك وهم من غدر بأهله. كلنا فيك، بنا تقاتل، وبنا تكسر الحصار. ألست رمز إرادتنا؟
لوحدك! لكأنك كلنا. وأنت الأقوى، وهم جمع كلما تكاثروا ازدادوا وهناً. وكلما تعاظمت ثرواتهم زاد فقرهم إلى الكرامة. عبد الثروة لا أمل له بالحرية.
لوحدك! لاجئ أمام مجلس الأمن. تطرق فلا يفتح لك الضمير الدولي . يقولون لك، إخلع وجهك! إخلع تاريخك! إخلع أرضك، إخلع كرامتك وشرفك، ثم اذهب إلى باب الخدم، وانتظر قرارنا بإعدامك!
لوحدك! وهم يرطنون بالعبرية! ومَن كان في منزلة أهلك يتبرّأ منك. أتريده أن ينحاز إليك، وأنت وحدك، ويتركهم وهم القدر؟!
لوحدك تطرق باب جامعة الدول العربية، فلا تجد فيها دولة واحدة، تجد سماسرة وكتبة وفرّيسيين، يرتعدون وهم يلمحون شبحك وكأنك الدّيان. يقول لك بعضهم من خلف سور: أي أرض أنبتتك يا مفسد اللذات! يغطون وجوههم بالعباءات الثمينة. في علمهم أنك قضيت في الغارة الأولى، وهم قد باعوا جلدك… وها أنت تحاصرهم بجبنهم وبخيانتهم لدماء شعوبهم!
لوحدك! لكنك كلنا. وجهك لعدوك، ومن خلفك أهلك يحمون ظهرك. كل اللبنانيين لم يجتمعوا إلا فيك وبك. رموا خلافاتهم التي ضيّعتهم وكادت تضيّع وطنهم وتلاقوا فيك. بيوتهم لك جميعاً وقلوبهم المفاتيح. حصنك لبنان وأفئدة العرب جميعاً، فأنت شرفهم ومصدر الاعتزاز. أنت تدفع الضريبة عنهم جميعاً، لك المجد. دمك يحميهم ويردع عنهم عدوّهم.
لوحدك! لكأنك كلنا. في وجهك عبق الورد والحبق والياسمين والفل والزنبق والنرجس والمنتور والخزامى وشقائق النعمان… الذي ترعاه بركة الأمهات، وفي ملامحك شيء من زهر اللوز والطيون والوزال ودويك الجبل والصعتر…
لوحدك! لكأنك كلنا. سهلنا والجبل.
لوحدك! لكأنك الوطن! لكأنك الأمة جميعاً!
لأول مرة نرى طبريا سجناً لغاصبيها. لأول مرة نسمع عن الذعر في حيفا. لأول مرة نرى البارجة، فخر البحرية الأميركية الإسرائيلية تحترق وهي التي كانت تحرق أطفالنا ولعبهم في البيوت الفقيرة. لأول مرة نرى جنرالات إسرائيل يتفقدون أضرار صواريخك.
لوحدك! لكأنك الأمة جميعاً تقاتل فإذا حسابات العدو تتهاوى أمام إرادتك، ويعدّلون في الخطط، ويستنجدون بإمبراطور الكون فيلبّي النداء عجولاً. يقول إنك تخرّب السلام الذي لم تعرفه دنيانا منذ أجيال. يقول إنك معادٍ للديموقراطية… وأنت الذي يُراد حرمانه من أرضه ومن حقه بالحياة.
لوحدك! لكأنك كلنا! أنت كنيتنا والاسم الذي نحمله في أعناقنا تعويذة.
لوحدك! لكأنك الأمة في يوم عرسها!
لوحدك! لكأنك جميعاً. لقد أكدت القدرة وإمكان أن نخرج من ليل الهزيمة.
لوحدك! مبارك أنت، مبارك. وسلام عليك وأنت تقاتل بأرضك ولأرضك وفي أرضك، وتعود إليها راضياً مرضياً لتبقى ولنبقى ولتبقى لنا كرامتنا الإنسانية.
نشرت في “السفير” 2006/7/16