قد يسعد بسطاء الناس أن يشهدوا الإزدحام في المطار وتعاظم التدافع بين المغادرين والمستقبلين والحمالين الذين يتولون أمر الحقائب… والأطفال.
لكن هذا الازدحام يستبطن مسألة نزوح اللبنانيين، خصوصاً شبابهم الواعد بمستقبل أفضل، قليلهم بذريعة إكمال الدراسات العليا في الخارج، وأكثريتهم بحثاً عن إفق جديد لحياتهم حيث تقدر الكفاءة ويحترم الاختصاص.. بغض النظر عن الانتماء الطائفي والولاء السياسي حيث ترتبط السياسة بالمذهبية..
لا أحد من المسؤولين يهتم بـ”تفريغ” لبنان من أجياله الجديدة..
فما يهم هؤلاء من حقيقة أن لبنان قد يتحول قريباً إلى مأوى عجزة؟!
أن لبنان “يشيخ” بأسرع من المتوقع. ليس بين هموم رؤسائه وسياسييه أن يتقاعدوا، حتى لو تجاوزوا الثمانين.. والبديل جاهز، فليكن من بين الأبناء أو الأحفاد، أو البنات وأبنائهن. المهم أن يبقى العز لأهله، وأن تبقى الدولة لأصحاب الدولة.. وليبتعد عن المواقع العليا الرعاع وأبناء السبيل!
تحوطاً للمفاجآت، فان الرؤساء السابقين والحاليين أنشأوا أحزاباً ـ مزارع: لأعضائها والمنتسبين اليها بإغراءات معلنة الأفضلية المطلقة على سائر المواطنين، حتى لو كانوا متفوقين وأصحاب مؤهلات أعلى.
أما المضحك المبكي فتلك الاحتفالات الرسمية والشعبية التي تقام احتفاء بقدوم مسؤول عجوز في الولايات المتحدة الأميركية أو أميركا اللاتينية، والتباهي بأنه من أصول لبنانية، في حين أنه قد نسي لغته واهله وموطنه وبات “مواطناً” في دولة أخرى..
أهلاً بالمغترب المهجن الذي غادر ولم يعد، إلا قبيل الوفاة، وفي زيارة قصيرة جداً، وكمسؤول ـ حالي أو سابق ـ في دولة اجنبية.. مات أبناء جيله والأحفاد لا هم يعرفونه ولا هو يعرفهم..
مع ذلك فهم يغتنمون المناسبة ليطلبوا اليه تسهيل سفرهم للالتحاق به في منفاه الاختياري هرباً من جحيم وطن الأرز وحكامه الميامين الذين لا يتركون لهم حتى ما يؤمن الرغيف وإمكانية ترتيب سفر الأبناء إلى.. حيث القت رحلها أم قشعم!