سيُسجل لقادة التيارات السياسية في لبنان انهم توقفوا، في اللحظة الحاسمة، عند حافة الهاوية التي كانت خلافاتهم وقد اتسعت فشملت حتى البديهيات تنذر برمي البلاد والعباد فيها.
لقد ادركوا، بعد ممانعة امتدت طويلاً، ان النصر مستحيل على أي طرف، مهما تعاظمت جماهيره، أو اتسعت رقعة تحالفاته، فكيف إذا كانت البلاد قد انشطرت، أو كادت، بين تيارين متعادلين في القوة، في الشارع كما في الوزن السياسي.
على هذا فقد مشوا بأقدامهم إلى طاولة الحوار الوطني ليواجهوا بعضهم بعضاً بالمنطق والحجة والوقائع المعاشة، ساحبين معهم »التوتر« الذي كان يحكم الشارع، ومساهمين باجتماعهم في اشاعة مناخ من الاطمئنان إلى احتمال الوصول إلى حلول للمشكلات المطروحة، الحديثة والقديمة.
ومن السهل الآن ان يقال ان تلك كانت نتيجة حتمية، ولكن الصحيح ان التعجيل في الوصول إليها وفر الكثير على هذا الوطن الصغير والجميل والمنهك بالطوائفية والمذهبية والمصالح الأجنبية.
وإذا ما واصل هؤلاء القادة مسيرتهم نحو »المصالحة« والتوافق على الحلول المناسبة للأزمة المتعددة الوجوه التي يعيشها لبنان، فانهم بذلك سيسجلون سابقة تصلح لأن تكون قدوة تحتذى في سائر الاقطار العربية التي تعيش أزمة انشقاق جدي بين قواها السياسية يهدد وحدتها الوطنية ومن ثم كيانها السياسي.
وبات ممكناً الآن ان ندعو القيادات الفلسطينية إلى التمثل بالقيادات اللبنانية، مع الأخذ بالاعتبار اختلاف الظروف… لكنها في فلسطين قد تكون ادعى إلى التلاقي والتحاور والتفاهم، لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي المتربص بفلسطين جميعاً، شعباً وأرضاً وقضية.
ومن باب أولى ان ندعو الى ذلك أيضاً، القيادات العراقية التي عجزت حتى هذه اللحظة عن التوافق على »السلطة« تحت الاحتلال الأميركي، فسجنت نفسها داخل خلافاتها (التي يسهل تحويلها إلى فتن لا تنتهي)، تاركة للمحتل ان يذهب لمفاوضة الخارج الإيراني… وكل ذلك سيتم على حساب العراق، وحدة شعبه وكيانه السياسي، مهما حسنت النوايا في »الصديق الإيراني«.
ففي لعبة الأمم مصالح الدول هي التي تحكم لا العواطف.
من كان يحلم، قبل أسابيع قليلة، ان يصبح لبنان مرشحاً لأن يكون نموذجاً يحتذى في السلم الأهلي بعدما كانت »اللبننة« مثل الوباء، تتخوف من انتشارها الشعوب التي تتغافل قياداتها عن مصالحها الوطنية في غمرة صراعاتها على السلطة، فينتهي الأمر بدمار شامل يذهب بالوطن والشعب والدولة، ولا يبقي للمقتتلين على السلطة إلا عرشاً من الجماجم!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان