ورث اللبنانيون تشاؤما مثالياً. يحرسون اليأس بلغة تنفق احباطاً. الصراخ تعبير عن حيويتهم الفاشلة. آمالهم مريضة بلا شفاء.
تعب اللبنانيون من الكلام نفسه واللغة ذاتها، من الوجوه القبيحة ذاتها، من الاهداف السرابية ذاتها. السياسة نباح في جنازة كلب.
ينسب النق إليهم بصدق. يجَّودون ما قيل بالأمس وما قيل منذ قرن من عمر لبنان. انهم لا يتعبون من التكرار. بالسخرية السياسة التي تشبه سياج الزرائب.
…وكاتب هذه المقالة، ومؤلف كتاب “لبنان في مئة عام.. انتصار الطائفية” يُلام بحق بسبب تشاؤمه واحباطه وانعدام الامل. كأنه عقد معاهدة مبرمة مع الفشل. المؤسف أن الفشل أنجز أفدح الافشال. ربح كل المعارك وكل الجولات. قيل لي: “لديك عينان لا تريان وعقل مغمض العينين يغويه السقوط”، ويدللون على ذلك باتهامهم المحق لسلسلة من المقالات والمواقف المحبطة التي تردد: “اتركوا كل شيء على حاله لان الآتي أفدح”.
نصحوني. قالوا لي: “آمن. اخرج من سجنك، لقد ازهقت أرواحنا. العالم ليس ابيض وأسود. أنت دائماً أسود. لك شكل الحداد في مأتم… ولو؟؟؟”
سأمتثل. سأتفاءل. سَ، أقول هذه الانتخابات ستغير لبنان. سَ، أراهن، “على العمياني”، ازمة الكهرباء. انسوها. نصف سنة على الأكثر ونصبح بلد الاشعاع الضوئي. النفايات سَ، تصبح نعمة على اللبنانيين، سَ، ينعم لبنان ببيئة نظيفة فيعود الوطن إلى صيته القديم: “سويسرا الشرق”. وسَ، يتمنى الجميع لو كانوا يملكون “مرقد عنزه”. انجاز ذلك يحتاج فقط إلى شهور قليلة. وسَ، يصل الموظف إلى عمله على البكلة. لن يمضي وقته في فوضى السير والسيارات. وهذا بحاجة إلى نصف سنة بعد فرز الاصوات. بيروت سَ، تصبح منتزهاً للمشاة لا “كاراج” لحرق الاعصاب.
وسَ، تُفرغ الادارات الرسمية من الفساد وتصبح على ايقاع “بيغ بن”.
وسَ، يعين الانسان المناسب في المكان المناسب. ويعلو القانون ولا يُعلى عليه، ويرتقي الدستور، من وضعية المرتهن والرهينة إلى مستوى الرهان عليه. وسَ، تحتل امرأة قيصر قصور العدل وتطرد منها الزناة والزنادقة ومن هم غب الطلب، وسَ، يكون فرح اللبنانيين عظيما. وسَ، يتم كل ذلك بعد البيان الوزاري الجديد، بعام واحد فقط.
بحلول الصيف القادم، سَ، يتمتع اللبنانيون برمل الشاطئ وموج البحر. أي، سَ، يستعاد الشاطئ من ناهبيه، سَ، ينخفض منسوب الديون مع اول دفعة نفطية من بحر لبنان الاسود (بسبب النفط) إلى درجة يستطيع فيها لبنان أن يحظى برتبة دائن. فلنفرح ولنهلل، سَ، نصبح دولة غاز ونفط، وعين الحسود لا تسود ولتبلَ بالعمى. وعليه، سَ، يعود الكثيرون من غربتهم القاسية ويجد كل عاطل عن العمل، من كل الاختصاصات، حقه المضمون بعرق جبينه. وسَ، يختفي الفساد، كأنه ما كان، وسَ، يعاقب الفاسدون وتفرغ الادارات والمؤسسات من الفساد وتصبح المعاملات على ايقاع “بيغ بن”، وفي نتيجة لقيام دولة العدالة والرعاية والكفاءة، سَ، تعود الجامعة اللبنانية إلى تراثها الوطني وتلفظ الارتكابات، وتحذف عنها شبهة التشبيح المذهبي والتعطيل الطائفي والتجهيل المرتبط بمبدأ النفعية التبعي. وكل هذا يتم في لمحة عام ونصف فقط، واثناءها سَ، يعين الانسان المناسب في المكان المناسب، ويعلو القانون ولا يُعلى عليه، ويرتقي الدستور من وضعية المرتهن والرهينة إلى مستوى الرهان عليه وحده. فهو فوق الجميع، وتحديداً فوق الطائفية والمذهبية ومن يمثلهما. وتتلازم هذه النهضة الاستثنائية مع قضاء تحتل فيه “امرأة قيصر” العدل. وتطرد الزناة والزنادقة ومن هم غُب الطلب، وسَ، يكون فرح اللبنانيين عظيما، وسَ، ينفذ ذلك، غب تلاوة البيان الوزاري الجديد.
اضافة إلى هذه الانجازات الباكرة، سَ، تختفي النتعة المارونية التي تثير حساسية الشيعي والسني والدرزي والماروني الذي ليس على الصراط المستقيم “وطنيا”. سَ، يصبح الصوت الماروني شبيها بتراتيل قداس يوم الاحد او في زمن الصيام. وبالمقابل، سَ، يتخلى الثنائي الشيعي عن حسبته العددية ونسبته الكاسحة بهدف رفع المخاوف ونزع المظلومية عمن كان قد ظلمهم سابقاً. يعني مصالحة. او يعني مواطنة. وسَ، يتقدم السنة باستقالات جماعية من ادعاء المظلومية ويتحوَّلون جميعاً إلى مواطنين اقحاح.
وفي خلال عام واحد، لن يسمع اللبنانيون الا اصواتهم وبلهجاتهم، فلا يعتورها الهجين من اللهجات السعودية والايرانية والقطرية وتحديداً الاميركية. سَن يصبح لبنان دولة استقلال لأول مرة في حياته. “فقوموا حتى نهني”. وعلى هامش هذا الانجاز، سَ، يتم الاتفاق على العدو والصديق وحتى على سبيلبرغ والدويري. أما ما يُطمئن اللبنانيين على مستقبل بلدهم، الحديث الذي يتولدن من رغبة الموارنة بالتخلي عن منصب رئاسة الجمهورية والشيعة عن رئاسة مجلس النواب والسنة عن رئاسة مجلس الوزراء، ويصار إلى تحرير وزارة المالية العظمى، لتصبح مشاعاً لذوي الاختصاص والذَّمة.
وبعد تأليف اول حكومة وطنية، وبسرعة لمحة البصر، سَ، يبدأ اللبنانيون بورشة تنفيذ مندرجات الدستور واتفاق الطائف. سَ، تتألف الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية، وسَ، يُصار إلى اقرار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي وسَ، ينشأ مجلس شيوخ لتمثيل العائلات الروحية، وعندها، سَ، تطلق المدفعية اللبنانية 22 طلقة ترحيباً بالجمهورية اللبنانية الجديدة. فأفرحوا وارقصوا أيها اللبنانيون. المهلة الزمنية لإنجاز هذه الولادة هي تسعة أشهر مضروبة بثلاثة فقط.
وهناك عدد من القضايا التي تجد حلاً. حقوق المرأة. المساواة بينها وبين الرجل. تشديد العقوبة على التحرش الجنسي. ولما يصبح الوطن بهذه الصورة الزاهية، سَ، يُلغى قانون الاعدام، ولن يكون عندنا مساجين خطيرون ولا تجار حشيشة فارين من وجه العدالة. سَ، تصبح الحشيشة داء ودواء اللبنانيين. بسيطة. قليل من البسط لا يضر. اما اسرائيل، فإنها سَ، تجد امامها دولة ومقاومة، بلازغل طائفي. وسَ… سَ…
أحلف بشرفي أن هذه هي آمالي وآمال اللبنانيين. أحلفوا بشرفكم أن كنتم تصدقون جملة مما ورد أعلاه.
الانتخابات القادمة ستنجب البلاوي. من يعش يرَ.