غث هذا العام. أحداثه كارثية. يومياته متخاذلة. فصوله خيانية، ايامه لم تكن تُطاق… هو ليس أفضل مما قبله. قد يكون هو الاسوأ منذ نصف قرن:
لبنان يسير بزخم طوائفي إلى الكارثة. بلغ من السخف الثمالة.
السياسة فيه وضيعة حدَّ القرف. المستوى الاخلاقي دون التدني التام. يرقص طقوسه السافلة، على حافة الهاوية. لا تسأل السلطة فيه الا عن حصتها من فائض الحرام. كل حرامها حلال لها. بيئة نتنة، تتراكم فيها الحقارات والسفالات… شعوب لبنان منكوبة، ونكبتها صنع مسيرتها ومعتقداتها وعقدها. لا تتنازل عن الطوائفية المهينة، شعوب مهينة ومُهانة وتستحق ما يردها من حثالات زعمائها. شعوب بلا مستقبل. مرجعيتها اقبية العصور الوسطى، وعملتها، تجارة رخيصة بالمخاوف المتبادلة. طوائفه متشابهة ومتطابقة برغم تناقضها المصلحي، ومسيرتها محفوفة بعصبية رجعية لا شفاء منها.
هذا هو لبنان، وأكثر من ذلك. لا أمل قريبا له. يحث الخطى إلى الهاوية ولا يسقط فيها. ما أصعب العيش على حافة الهاوية.
فلسطين هذا العام، تزداد وحدة وفرادة. من حولها من أعراب، يبيعون القضايا ويتبرعون بالقيم، بدولارات مليارية، لقاء حماية اسرائيل الكبرى الاميركية، واسرائيل الصغرى العبرية، لأنظمة تدعي العصمة النبوية وتسير على خطى الاسلام الراشدي… ثم التخلي عن فلسطين. انتقل عربٌ، في غاية الرخص، إلى صف التحالف مع “اسرائيل”. ارتاح العرب إلى سلام الجبناء. فوَّضوا “اسرائيل” أن تكون الدولة الاقرب. الخليج العربي، بات اسرائيلياً تقريباً، ينقصه البحر الاحمر الاسرائيلي، بعد اهداء مصر للجزيرتين إلى ممتلكات المملكة المرعبة.
غث هذا العام، لولا الفلسطيني. ليس امامه الا أن يمشي حافياً، عارياً إلى ارضه المحتلة. مسيرات العودة، بالخطوات والقبضات أقلقت “اسرائيل”. الضفة على موعد مع انتفاضتين: واحدة ضد السلطة المفلسة والمتهاونة والمتهالكة، وأخرى ضد المحتل. وحدهم، وبلا وصاية من أحد، قادرون على إسقاط “صفقة العصر”. من فلسطين، من غزة تحديداً والضفة معها، انطلقت مسيرات اسقاط الشقيقين: “الاسرائيلي” و”الخليجي”. برغم المعاناة المؤلمة والمستمرة، تقودنا فلسطين إلى حيث هي، والى حيث يجب أن تكون، والى حيث يجب أن نكون. فلسطين معجزتنا في منطقة العجز العربي التام. هؤلاء، عرب بلا عروبة. انهم، لذلك، ليسوا بعد الآن عرباً.
عميق الانقسام الديني والمذهبي والعنصري. من كان يصدق أن يستبدل العداء “لإسرائيل” بالعداء لفلسطين ولمن معها في المنطقة والعالم. الانقسام المذهبي اعاد العرب إلى بؤس الخلافة، ومن يتولاها. هذا الانقسام يشطر العالم العربي ويسمي كل فريق خصمه بالعدو. فالج سياسي. لا علاج له، ولا حسم فيه… إن هذا الانقسام بدأ بعيد وفاة الرسول بساعات فقط، ونخر جسد الامة وروح الاسلام إلى خنادق… بائس جداً هذا العام. أنه عام الخنادق المشتعلة بزخم الحرائق.
مصر، تبدو بلا تاريخ. اهراماتها للبيع. شعبها للتسوُّل. روحها للانغلاق. بلد المئة مليون، كم مليونا من الجائعين؟ كم حفنة من الأثرياء والمغتصبين؟ المملكة، ظهرت على حقيقتها المرعبة. كان المشهد واضحاً وفاغرا. قتل عن سابق تصور وتصميم، وبالمنشار. ذهل العالم، باستثناء “التحالف السني” الذي قطع لسانه وخدَّر أخلاقه، فمارس الصمت. والصمت هنا، ذروة التبعية. يا حيف!
طاعن هذا الزمن. عام مضى، يستعيد البؤس الثقافي والسياسي من ظلمات القرون الوسطى وظلاماته.. نتساءل، أي مستقبل للبنان، لدويلات الخليج، للدول العربية برمتها. لقد تم إلغاء المستقبل تماماً. الإقامة المتهاوية، هي عنوان مرحلة مضت وتجدد. لا ضوء في هذه الجغرافيا المحكومة والمتروكة من قبل شعوب مغلوبة على امرها بالقمع والردع والقتل والإرهاب.
أمامنا، بعد أيام، عام جديد؟ بأية حالٍ عدتَ يا عامُ؟ لن تختلف عما سبقك إلا بأنك ستكون الاسوأ. العراق لم يعد عراقاً. سوريا على الضفة الخطرة. الاردن يرقص على ايقاع الرفض الشعبي. مصر العظيمة، خرساء وبلا صوت. ليبيا: جنون الدم. الصومال: وداعاً. السودان: المحنة الآتية. الجزائر: الموت الحاكم. إلى اخره بلوغاً إلى لبنان.
لبنان. هذا، اعتادوا عليه كما هو. لا شفاء له ومنه. نحبه كثيراً، ويُكْرهِنا كي نتجنبه كرجس سياسي. لقد تم احتلال لبنان بالكامل، من قبل الطوائف الممسكة بالأرواح والانفاس، ولم يتبلغ أحد بعد، أن حركة تحرير لبنان من الاحتلال الطائفي، قد اسفرت عن نضالها.
يا غودو.. قل لنا، أنك لن تأتي ابداً، لنشِّرع اليأس البناء، الذي يبدأ بالقطيعة التامة مع النظام وأهله وطوائفه.
لسنا بخير. ولا نستطيع أن نتمنى: “فكل عام وأنتم لستم بخير”.