لا يتعب جورج قرم، ولا يمل، ولا ينوي إلقاء السلاح وهو يواجه معضلة الإصلاح في لبنان، إصلاح النظام وإصلاح اللبنانيين،
ومع أنه قد أتعب الكثيرين من الحكّام و”الخبراء” والمستشارين والمستمتعين بجوائز الحلول السهلة والمؤقتة والمرشحة للانفجار بعد حين، فإنه مصر على المضي مع مغامرة الإصلاح إلى النهاية.
في الكتاب الجديد ”مدخل إلى لبنان واللبنانيين، تليه اقتراحات في الإصلاح” يمارس جورج قرم هوايته الممتازة: القلق!
وهو يعترف ببساطة مذهلة: ”القلق، القلق وحده دفعني إلى مغامرة الكتابة عن مستقبل لبنان، ساعياً إلى ربط القضايا المعقدة بعضها ببعض على نحو مبسط ومقتضب، لا سيما أن الناس، أهل هذا البلد، أهل بلدي، يكتفون من الواقع بما تخيله لهم الشعارات والأفكار الجامدة، فلا يرون حقيقة الأوضاع التي يتخبطون فيها وينجرون، من ثم، إلى تأييد أكثر السياسات إضراراً بصالحهم ومصالحهم…”.
من الصعب تلخيص الكتاب الجديد لجورج قرم. ومن الصعب أكثر مناقشة الأفكار البسيطة التي طرحها، والتي ربما أمكن اعتبارها، في مجتمعات أخرى، بدعاً أو بديهيات،
فكل عنوان فرعي من عناوين الفصول المقدمة كخلاصات أو كرؤوس موضوعات، يمكن أن يتحول إلى مجلد تتزاحم فيه وتتضارب وتتناقض الوقائع والأحداث المروية أو المنقولة، مترجمة في الغالب، بحيث يتحتم توقع الانفجار الجديد لحرب أهلية جديدة.
كيف يُبنى بلد يختلف أهله على المسلمات والمعطيات الأصلية؟!
كيف يمكن إصلاح نظام تصدر أمهات الشكاوى فيه عن ضروب الاصلاحات التي كثيراً ما شرع فيها حكّامه ثم انكفأوا أو انحرفوا أو جبنوا أو طمعوا فخرجت عن سياقها لتصير بدورها مكامن خلل أخطر لا بد من إضافتها إلى قائمة الاصلاحات الموعودة والضرورية والملحة.
أهم ما في جورج قرم شجاعته،
ولعل أكثر ما يساعده في متابعة جهده أن السياسيين يرونه مجرد اقتصادي وأن الاقتصاديين يرونه إصلاحياً سياسياً لا خطر منه على اقتصادياتهم، وأن الناس يرون فيه وعداً بمشروع تغييري يحسم الجدل البيزنطي المحتدم حول ”الدولة قيد التأسيس” و”الشعب قيد التكوين” في هذا البلد الأمين!