كان قصر الأونيسكو معلماً من معالم الثقافة والأخذ بأسباب الحضارة، لطالما وقف على منبره ضيوف كبار (رؤساء، ملوك، رؤساء حكومة، علماء، شعراء وأدباء كبار، الخ)
ربما لهذا سيعاني النواب من الشعور بالغربة، لا سيما من يتعذب وهو يفك الحرف، فاذا فكه لم يفقه معناه، فاذا فقه المعنى ضاعت الجملة..
سيقف النواب على منبر لم يعتادوا أن يرتقوه، ولسوف يشعرون بالغربة وهم يستمعون إلى صدى القصائد والأناشيد ومحاضرات العلماء وكبار الاساتذة، وحفلات الغناء ومعها “خبطة قدمكم ع الأرض مسموعة”..
سيحارون، وقد يتساءلون في سرهم: من أين جاءنا رئيس المجلس بهذه البدعة، فأخرجنا من بيوتنا المريحة على وجه السرعة، لنرتدي الكمامات التي تحجب وجوهنا وهي رأس مالنا في هذه الانتخابات، وفي إدراج اسمائنا على قائمة المرشحين للوزارة، وابطال التمديد للمجالس والتخفيف من عبء الانتخابات ونفقاتها الثقيلة.
هتف الحاجب: “دولة الرئيس” فانتصب النواب واقفين، ليخضعوا للإحصاء التقليدي ضماناً لاستكمال النصاب… وافتتحت الجلسة بقراءة محاضر الجلسات السابقه، قبل أن تباشر أمانة السر في تسجيل أسماء طالبي الكلام..
أما خارج القاعة فارهة الأناقة بمقاعدها ذات اللون الزهري، فكان الغاضبون من أهل انتفاضة 17 تشرين يواصلون مسيرتهم هاتفين بسقوط الحكم والحكلم والمجلس ونوابه والمحتكرين ولصوص المال العام وحرامية الدولار: يشترون بسعر مخفض ويبيعونه بأي رقم يخطر في بالهم، وقد يكون ضعف السعر الرسمي أو أكثر قليلاً.
المسافة الفاصلة بين المتظاهرين في شوارع على امتداد مساحة لبنان، طرابلس وصيدا وصور وانطلياس وجل الديب ومختلف المدن والقصبات في عكار، فضلاً عن زحلة وبعلبك والهرمل وحاصبيا الخ.
المسافة الفاصلة بين النواب المثرثرين في قصر العلم والحكمة، وبين المتظاهرين في مختلف أنحاء لبنان أوسع من أن توقفها مطرقة رئاسة المجلس وهتاف صاحبه دولة الرئيس!
أما المبنى الأصلي للمجلس النيابي فيسكنه الصمت، تحيط به جدران الباطون والاسلاك الكهربائية.. ربما لحماية الديمقراطية!