يقول ملاك الموت الجاثم بين غيمتين:
– لم يحنْ يومك بعد، لكني، ولأنك تنظر السماء وتراقب الغيوم، أراك وتراني..
أجاب صائد الغيوم:
لا أريد ورداً يومها، أقحوانة واحدة تكفي،
وضحكات كثيرة أريد، وموسيقى أحبها…
و أن يُقال: هنا من أحب الحياةَ وأحبَ الحب
وهنا من تنبأت له الفراشات بقلبٍ متقدْ ونار لا تخبو..
– لا تزيد الطلبات! لقد رأيت طوابير الذاهبين إلى السماء.. الباقون هم من يعطون للموت أُلقهُ..
زدني حياة إذن… ما الموت إن لم يكن إنطفاء تفاصيلنا الصغيرة وهي.. تتلاشى كالرماد..
دعْ لي ما يكفي من رماد وزاد،
وأغنية عشق ترطن في أذني
ومحطات مفاجئة تذكرني كم هي قوية الحياة في قلوب الأحياء
وبعض جمرات حب تشتعل فيً حتى نهاية الطريق!
تحركت الريح، و غير ملاك الموت مكانه.. إتكأ على صدر غيمة تزول ببطء.
– سآتيك يوماً، وقد أكون لطيفاً ورائق المزاج
لن نكون صديقين ولا عدوين، أنت وجه خوفي ونهاية مسافتي.
تباعدت غيمتان، وانفتح درب في السماء:
– عش إذن ما تبقى من مساحة، ولا تستعجلني، لدي ما يكفي من حصادٌ!
كن رؤوفاً بهم ما أمكن، بعضهم لم يتذوق طعم حياته لحظة مرورك..
لم يجب، كان يبتعد دون أن يغيب تماماً، يلاعب البرق ويتجول بخفة في الفضاء.
على الأرض، نظر صائد الغيوم إلى شجرة تين تنمو غير آبهة بما حولها. الأمور بالغة التعقيد، و هو في لحظة لا تخفي حزنها و لا غضبها.
نهض فجأة، احتار أي اتجاه يسلك. شعر أنه يريد السير حتى يوقفه التعب. خلفه، ارتفعت مبانٍ عالية وأصوات سيارات. وأمامه حارات ضيقة أكثر هدوءاً. اختار طريق الحارات التي تذكره بمكان بعيد. فكر أن الناس في الأزقة الضيقة ترى السماء أفضل، وأنهم لا بد يزرعون الياسمين على شرفات منازلهم.