هذه المرة لم تنتظر الإدارة الأميركية أن تدعو زائراً من لبنان لكي يعلن باسمها أو تعلن باسمه حقيقة موقفها من التطورات الراهنة في هذا البلد الصغير، وأن تحدد له خطة سيره إلى الأهداف التي تريدها.
صار لا بد من تدخلها مباشرة، ومن خلفها فرنسا، كالعادة، ومن خلفهما مجلس الأمن الدولي الذي شغله لبنان على امتداد السنة الماضية أكثر مما شغلته أي مسألة في الدنيا كائنة ما كانت خطورتها.
وما لم توضحه واشنطن مباشرة تولى توضيحه السفير الأميركي في بيروت فطمأن اللبنانيين ومن بكركي على وجه التحديد، وعبر بيان مكتوب وبعد استئذان البطريرك صفير إلى أن إميل لحود لن يكون آخر رئيس ماروني، بل ان واشنطن تتطلع بشوق لدعوة رئيس لبناني يكون ممثلاً لمستقبل هذا الوطن لا لماضيه … ثم أضاف انه يتمنى أن يأتي هذا اليوم قريباً .. هذا بينما مؤتمر الحوار الذي سيستأنف جلساته عصراً، وبعد انقطاع طويل، سوف يناقش بالتحديد مسألة الرئاسة، وقد بات محسوماً عجز قوى الأكثرية عن خلع الممدَّد له والذي انتقل مؤخراً من موقع الدفاع إلى الهجوم بكل الأسلحة .
ليس جديداً أن تتولى الإدارة الأميركية مهمة القصف على سوريا، وإن كان هجومها الحالي هو الأعنف، بتزامن لافت مع زيارة المحقق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري دمشق ولقائه الرئيس السوري ونائبه.
لكن الجديد أن تعنف الحملة الأميركية على سوريا مستخدمة التحقيق نفسه، وأن يتحدث السفير فيلتمان عن الاستعمار السوري للبنان طوال ثلاثين سنة، كأنما الوجود السوري في لبنان كان سرياً أو كأنه عرف به أمس فقط، ولم تكن واشنطن هي الطرف الثالث فيه.
ما يهم هو التأثير المباشر لهذه الحملة الضارية على دمشق في حين أن الموضوعات المطروحة على طاولة الحوار، سواء ما تمّ بحثه واتخذت بشأنه قرارات (يبدو أنها قابلة للنقض) أو ما ستجري مناقشته اليوم أو في وقت لاحق، إذا لم يفجّر المؤتمر، كلها تتصل بسوريا وتتعلق بها مباشرة أو مداورة، مما سيعقد الحلول المأمول بها أو سيجعلها مرجأة إلى أمد غير معلوم.
وبهذا يكون الحوار الصعب، أصلاً، قد بدأ يصطدم بما يشبه الاستحالة.
ذلك أن المؤتمر، بطبيعته، لا يحتمل مواجهات حادة، لأن صورته التي بثت شيئاً من التفاؤل في اللبنانيين لا تعكس هشاشته فهو قد انعقد وتواصل لأنه لا أحد يريد تحمّل مسؤولية فشله.
أما المشاركون فبينهم من شارك لأنه يريد مخرجاً، وبينهم من شارك محرجاً لأنه لا يملك مخرجاً، ثم هناك من شارك بقليله داخلاً مستبقياً كثيره كاحتياط في الخارج، فضلاً عن أن ثمة من شارك بلسانه بينما عقله يفكّر باللحظة المناسبة للهجوم المضاد.
إنه مؤتمر فريد من نوعه، ككل الصيغ التي ابتدعت لتثبيت السلطة المتعددة الرؤوس في لبنان على كرسي يفترض أن يتسع لعشرين طائفة وبضع دول بينما المطلوب جبهة متمامسكة على قاعدة برنامج واضح ومحدد.. وبالإجماع!
كان المطلوب من الكل أن يضحي، فضحى بعضهم ببعض آخر، وضحى آخرون بزمن قصير لهدنة تفصل بين معركتين.
وكان مطلوباً إسقاط الحصانة، وهي مسقطة عن رئيس الجمهورية منذ زمن، فلما تعثرت الحملة تعذرت استعادتها منه.
إنه بيت بمنازل كثيرة ، وينطق بلغات كثيرة، فلبيروت لغتان وأكثر، ولدمشق لغتان على الأقل، وللرياض لغة، وللقاهرة لغة، وللخرطوم لغتان، أما واشنطن فتفهم كل اللغات، أو كأنها جميعاً تصب فيها.
… وإذا كانت الإدارة الأميركية ذاهبة إلى الحرب مع دمشق فعلى بيروت أن تنزل إلى الملاجئ.
اللهم إلا إذا قرّرت واشنطن أنها بحاجة إلى هذا المؤتمر في سياق حرب التحرير التي تخوضها باللبنانيين، تماماً كما تخوض حرب احتلالها للعراق بالعراقيين وحرب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بالفلسطينيين.
وقد يصبح المؤتمر، أو الحوار، بديلاً من الحلول المرتجاة.. أقله حتى إشعار آخر، سوف تأتينا إشارته من البعيد، وبلغة غير العربية في مطلق الحالات.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان