عن هموم الصحافة العربية… اليوم
لأن الحديث عن هموم الصحافة العربية، في هذه اللحظة، لا ينفصل عن هموم الثقافة، فلست اجد خروجا على الاصول ان ينشر هنا، في الهوامش ، نص محاضرة ألقيتها في واحد من بيوت الثقافة في البحرين (مركز عبد الله الزايد للصحافة)… مع الاعتذار عن اختلاس مساحة إضافية.
[[[
هي لحظة فرح شخصي أن نلتقي، هنا في البحرين، حتى لو كان عنوان اللقاء هموم الصحافة العربية، وهي كما تعرفون تفرع من تفرعات الهموم العربية العامة، وهي أثقل وأمرّ وأدهى بما لا يقاس من همومنا نحن الذين سلاحنا الكلمة.
هي لحظة فرح شخصي، مع أنني انطلقت من مجمع للهموم العربية في وطني الصغير، لبنان، وعبرت في الطريق اليكم هنا فضاءات بلاد الشام عموماً وبعض الجزيرة والخليج فإذا هي مكتظة بهموم أثقل وأخطر كادت تسد الممر الجوي، ثم هبطت في مطار همومكم انتم، هنا، بما يوحي بإجراء مباراة مفتوحة وبجوائز لنتبين من هو البلد العربي الأعظم قلقاً على حاضره ومستقبله، بل مصيره… لا سيما ان الطائرة تجنبت عبور أجواء العراق، حتى لا عين ترى ولا قلب يحزن.
مقدمة مأساوية لا تليق بشرف الدعوة وكرم الضيافة وحسن الاستقبال ورد التحية للشيخة مي آل خليفة بأحسن منها، وهي التي أعطتنا في البحرين هذا المنبر للحديث عن إنجازات المبدعين منا، شعراً ونثراً، كما عن همومنا؟ ربما، لكن الصدق في التوصيف ليس خروجاً على الأصول، ثم ان الشراكة في الأحزان تخفف من وقع المصاب، وقد تحرض على تغيير الواقع بتحديد المتسبب في ترديه والإشارة الى مخرج النجاة منه.
وأبدأ بالقول اننا نحفظ لهذه الجزيرة في وجداننا، منذ الخمسينيات، صورة أكثر إشراقا من سائر أقطار الخليج المتوهجة الآن بفوائض العائد من ذهبها الأسود…
كنا نتابع بالتقدير النهضة التعليمية التي سبقت إليها البحرين، بقدر ما كنا نواكب باللهفة الحركة الشعبية في نضالها ضد القواعد الأجنبية، البريطانية آنذاك، من أجل تأكيد عروبة البحرين التي احتلت مكانها في أهازيجنا الوطنية المبشرة بوحدة الأمة وتلاقي أقطارها في الجهد المتكامل من اجل الغد الأفضل.
ولأنني صحافي عتيق، فقد تسنى لي وللعديد من أصدقائي من المناضلين السياسيين في أحزاب ومنظمات قومية وتقدمية والزملاء الصحافيين، التعرف الى العديد من الأخوة البحرينيين، كشركاء في حلم التحرير والوحدة.
ثم أتاحت لي ظروف مهنتي أن التقي، في وقت لاحق، العديد من الأخوة البحرينيين كمنفيين، كتاباً وشعراء وروائيين وحالمين، وبصورة عامة ممن كانوا مناضلين ضاق بهم صدر الحكم، في فترة سابقة، فطاردهم وتعسف في معاملتهم متسبباً بإطفاء العديد من المشاعل التي كانت تنير الطريق أمام أهل هذه المنطقة من الوطن العربي وليس أمام البحرينيين وحدهم.
وتحفل صحفنا في بلاد الشام عموماً، وفي لبنان خصوصاً، ومنها السفير التي أتشرف برئاسة تحريرها، ببعض إبداعات هؤلاء الذين جعلوا البحرين منارة، وابتنوا لها رصيداً معنوياً ممتازاً فوق رصيد أهلها، الذين ظلوا في وجداننا يحتلون مكانة أرفع وأكثر حميمية من تلك التي يجهد الأخوة في أقطار الذهب في الجزيرة والخليج لينالوا مثلها.
سيكون حديثي، إذاً، عن هموم الصحافة العربية في هذه اللحظة، من واقع تجربتي الشخصية، كما من واقع ما تلمسونه من تصور لدور هذه الصحافة وتقصيرها في تلبية مطالب الناس منها أو وهذا هو الأخطر في عجزها عن تلبية احتياجات مجتمعاتها بوصفها منبراً لمطامحها ومطالبها السياسية منها والاجتماعية والثقافية… الخ.
وأعترف كمدخل، بأن الصحافة العربية لا تقوم بدورها الذي انتدبت نفسها لأدائه، أو الذي يتوقعه منها القارئ.
إنها قاصرة، غالباً، ومقصّرة أحياناً، ودون المستوى المأمول منها بشكل عام.
إن الصحف العربية ثلاثة أنواع:
صحف السلطة، حكاماً بقوة السيف او بالذهب او بهما معاً. وصحف المتحكمين بقوة المصالح واحتكار مصادر الرزق. ويبقى نوع ثالث يمكن تسميته الصحف الشعبية، التي يملكها في الغالب أفراد أو مجموعة من أصحاب الطموح الى دور في مجال الخدمة العامة… وهؤلاء هم أشقى أنواع الصحافيين.
صحف السلطة تعارض معارضي السلطة، في الداخل والخارج.
وصحف المصالح تهاجم محتكري المصالح الأخرى.
وفي الحالين يصير المواطن ضحية مرتين: قد يأخذه الوهم الى الافتراض أن هذه الصحف تجامله أو تنافقه في معارضاتها وفي هجماتها، لكنها في حقيقة الأمر تضلله.
هناك صحف لأنظمة تهاجم أنظمة أخرى، قد تختلف عنها في السياسات، لكنها تتطابق معها في العداء للديموقراطية. وطريف أن تأخذ هذه على تلك أنها قمعية، معادية للحريات، تعتقل خصومها السياسيين… بحيث يمكنك أن تبدل مواقع الأسماء فإذا أنت أمام نص واحد في صحيفة واحدة.
وهناك صحف لتروستات احتكارية، شركات كبرى، رجال اعمال من صنف الحوت، متمولون كبار يسعون الى احتكار مصادر الربح، لا تتورع عن مهاجمة منافساتها بدعوى أنها تدعم الاحتكار وتضيّق الرزق على أبناء الشعب.
إن مجتمعاتنا العربية ما زالت قيد التكوين اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وبالضرورة ثقافياً. ولقد شهد بعضها قفزات نهضوية ممتازة كادت تصل بها الى أبواب العصر، لكنها لم تلبث ان انتكست فارتدت قياداتها بها الى الخلف لخوفها من التقدم أو قصورها عنه.
الصحافة هي مؤسسة سياسية اجتماعية ثقافية، لكن الواقع الاقتصادي شديد التأثير فيها. والإعلان التجاري هو الركيزة التي لا بد منها.
لكن هذا الإعلان أجنبي المصدر في الغالب الأعم، والوكيل المحلي ليس حر التصرف فيه. ومن هنا فانه قابل للتحول الى سلاح سياسي، وبالتالي فانه يصبح أداة ضغط، إن أنت طلبته فعليك أن تدفع من خطك السياسي ضريبته.
ليس أمراً بلا دلالة ان أعظم الصحف العربية توزيعاً لا تحقق المليون نسخة في بلد مثل مصر يتجاوز عدد سكانها الثمانين مليون نسمة.
ان أرقام توزيع الصحف العربية يكاد يكون مجموعها مهيناً إذا قيس بعدد السكان، بل بعدد المتعلمين، فضلاً عن أعداد المسيسين.
وإذا ما استثنينا إمارات الخليج لأسباب تتصل بطبيعة التركيبة السكانية، فضلاً عن المستوى العالي للدخل، فان توزيع الصحف في الأقطار العربية الكبرى والكبيرة والمتوسطة مخجل وبائس، ويفضح التخلف المريع ومعه القمع الفظيع، فضلاً عن الأمية والخوف من السياسة.
أي مقارنة مع توزيع الصحف الأجنبية في بلدانها تكشف الفضيحة.
أما المقارنة مع الدخول الشرعية لتلك الصحف الأجنبية، وركيزتها الإعلان التجاري وليس الإعلان السياسي، ولو مغلفاً، أو إعلانات النعي والتعزية التي تدل على مكانة المتوفَّى والمعزين في النظام المعني، فهي تكشف وجهاً من وجوه مأساة الصحافة العربية.
وليس أمراً من دون دلالة ان الصحف الفنية والرياضية توزع أكثر بما لا يقاس من الصحف السياسية… اذا كانت المجتمعات ممنوعة من ممارسة السياسة فمن سيشتري الصحف السياسية؟ بل كيف ستكون هذه الصحف سياسية؟
[[[
لا أكشف سراً إذا ما قلت إن في صحفنا مساحات للسياسة الإسرائيلية وصراع الأحزاب فيها أكثر بكثير من المساحة التي تشغلها السياسات العربية التي هي بمجملها قرارات الحكام ومواقفهم.
ولان المعارضات سرية، غالباً، وان تبقت لها واجهات علنية، فان أنشطتها لا تشغل إلا مساحة محدودة في الصحف، يمكن وصفها بالمواد المهربة غالباً، او بشهادات تبرئة أو تزكية للحكم، في بعض الحالات.
على سبيل المثال لا الحصر، يمكن الإشارة الى حزب الإخوان المسلمين في مصر، وهو على الأرجح اكبر حزب سياسي فيها. إن الأخبار عن هذا الحزب تكاد تُختصر بقمع تظاهراته واعتقال مناصريه ومحاكمات قياداته.
لا داعي للمقارنات، لكن نظرة سريعة الى ما يسمى صحف المعارضة في مصر، تكشف كم هي محارَبة، على ضعفها، تجارياً. فالنظام الكلي يتحكم أيضاً في الإعلان التجاري، فضلاً عن الرسمي، وهو يُعطَى ولا يؤخذ، والمرجع في منحه او منعه هو النظام نفسه، مباشرة او بالإيماء والغمز واللمز، وما الى ذلك من فنون التوجيه.
وأعترف بأن في صدري حنيناً دائماً الى صحف مصر، في ماضي النهوض القومي… فلقد تربينا، ثقافياً ومهنياً قبل السياسة وبعدها، على مجلات روز اليوسف والمصور، وصحف الأهرام والشعب والمساء، في الستينيات، وقرأنا نتاج الأدباء الكبار الذين غادرونا فيها، من نجيب محفوظ الى توفيق الحكيم، فإلى صلاح عبد الصبور وأمل دنقل ولويس عوض والحسين فوزي وإحسان عبد القدوس واحمد بهاء الدين ورجاء النقاش، وغيرهم كثير كثير.
وتثقفنا ونحن نغرق في الضحك الأسود برسوم صلاح جاهين وعبد السميع واحمد حجازي وجورج البهجوري وبهجت عثمان ورجائي وغيرهم كثير… قبل ان ينضم اليهم فيتقدمهم المبدع الذي اغتالوه غدراً ناجي العلي، الذي أضاف الى السفير وغيرها ما لا يعوض.
إن للزملاء المصريين الكبار فضلاً على الصحافة اللبنانية التي شهدت نهضة هائلة في الستينيات… وكان للنهوض القومي الدور العظيم في هذه النهضة التي كان بين أسباب تركزها في بيروت الهامش الديموقراطي في النظام اللبناني… وها صحافتنا الآن، كما نظامنا، تشير الى أن لدينا الكثير من الحرية والقليل من الديموقراطية كما يقول ضمير لبنان سليم الحص… والحرية هنا تصير أقرب الى الفوضى، وبالتالي فهي قد تأخذ الى الحرب الأهلية بدلا من أن تعزز الوحدة الوطنية… بالديموقراطية.
وصحيح أن مصر تشهد منذ سنوات قليلة طفرة في إصدار الصحف… لكنها بأكثريتها ليست مؤسسات قابلة للحياة، بعضها ينطق باسم رجال اعمال أنبتهم الفساد في النظام وهم يرون بها حماية لصفقاتهم، وبعضها الآخر يعبر عن طموح شعبي، وبعضها الثالث حزبي مموه… وربما كان بينها من عيّن النظام أصحابها معارضين.
[[[
بعد صحافة مصر سأنتقل الى الحديث عن صحافة لبنان،
ويؤسفني، بل يحزنني أن نقول إن الصحافة في لبنان تتراجع الى مستوى متدن في التأثير وفي الانتشار.
إنها اليوم في موقع أبأس مما كانت عليه في الخمسينيات… فالنهوض السياسي يستولد حركة فكرية ونشاطاً ثقافياً، ويعزز الاهتمام وبالتالي القراءة التي تساعد على تحديد المواقف. ولسنا في حالة نهوض سياسي ، بل في حالة فوضى تنذر بشر مستطير.
السياسة تجيء بالقراء… أما الفتنة فتذهب بهم.
السياسة صراع فكري، وتنافس بالمبادئ، واجتهادات لاستقطاب الجمهور بالأفكار، وهي أيضاً صراع بين المصالح.
أما الفتنة فهي تجاوز للسياسة، بل اغتيال أو تعطيل للعقل، بحيث تصبح الغريزة هي المرجع في التصرف. ومحركو الغرائز لا يحبون الكتب والصحف، بل هم يفضلون المناشير المهيجة، والمطبوعات اللاغية للعقل، والشاشات حيث الكلام مطلق ولا من يحاسب… فإذا جرى حساب فمشافهة وعلى الشاشات، والحكي يذهب مع الهواء.
وتسمح لي تجربتي المتواضعة ببعض الاستنتاجات السريعة:
كانت الأرياف العربية سوقاً جيدة لتوزيع المجلات، أما المدن فهي سوق الصحف اليومية.
ومن الأمور اللافتة أن تكون المجلات العربية، فخمة الطباعة الآن على الورق الصقيل، والمتخمة بالإعلانات، أقل توزيعاً بما لا يقاس مما كانت عليه الحال في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات.
هل هو التلفزيون؟ أم هو الخواء السياسي؟ أم هو الصمت المذهب؟
في أي حال، لا بد من إشارة، ولو سريعة، الى الدور السلبي الذي يلعبه التلفزيون. إن سيادة التلفزيون تعني انطفاء السياسة. فالتلفزيون يتوجه أساسا الى العين والأذن، أما الكلمة المطبوعة فتتوجه أساسا الى العقل… ولان العرب ارتضوا ان يكونوا متفرجين، مجرد متفرجين يحبون حماية عقولهم من التلوث، فإنهم يفضّلون ان يمتّعوا عيونهم بالمناظر المشتهاة.
وإذا ما استثنينا محطات التلفزيون الرسمية، فإن الفضائيات التجارية لا تهتم بالسياسة ولا بمستقبل الشعوب، بل إن بعضها يلعب دوراً سلبياً، لا سيما في استغلالها الدين في التجارة، مزايدة ومناقصة طائفية حيناً، ومذهبية حينا آخر، ودائماً لخدمة سياسات لا علاقة لها بالحرية والديموقراطية وتحقيق مطامح الشعوب.
ونتيجة للأوضاع السياسية التي تعرفون، فقد تراجع الاهتمام بالشأن العام، واليأس من إمكان التغيير في الحكم، المترافق مع اليأس من المعارضة التي يعمل الحكم منهجياً على تهميشها وتدجينها بالسجن المذهب او بالرشوة المباشرة اللاغية جوهر اعتراضها.
وفي العديد من الأقطار العربية تحولت المعارضات الى شهادات حسن سلوك للحكم، تمنحه من التزكية ما لا يستحق برنامجه المعلن أو ممارساته المستترة.
[[[
لنعد الى لبنان بعاصمته الأميرة بيروت، التي كانت الشارع الوطني العربي حامل رايات القضايا العربية جميعاً، وكانت المطبعة والكتاب وصحيفة الصباح والمشفى والمقهى والمصيف والمشتى، ومنتدى الحوار ومجمع المناقشة المفتوحة حول حال الأمة.
ان حال بيروت تعكس حال الأمة، تعاسة وشقاء وضياعاً وافتقاداً للنصير.
في لبنان صراعات ولا سياسة، صدامات ولا أفكار، احتدام للخلافات ما تحت السياسة، مناكفات ليس بين العقائد بل بين المنتمين الى دين واحد، بما يهدد بفتنة لا تبقي ولا تذر.
هذا الواقع يهمش الصحافة، ان هي التزمت بالحد الأدنى من المسؤولية الوطنية، ويحول الشاشات الى ميادين حربية يتقاذف فيها المجادلون الاتهامات جزافاً، وينحدرون بمستوى النقاش الى ما هو معيب ومخز، وطنياً واخلاقياً ودينياً.
هذه الصراعات ليست كلها داخلية المنشأ، لكنها عربية بالأساس، وان كانت تخدم الأجنبي عموماً، والاميركي ومعه الإسرائيلي على وجه الخصوص… وبالتأكيد فإن بين مصادرها تردي الأوضاع السياسية في الأقطار العربية عموماً، الذي جعل العرب بحاضرهم ومستقبلهم منطقة نفوذ لقوى الخارج البعيد أساسا، ومن ثم القريب.
إن العجز عن مواجهة المشروع الإسرائيلي والانشقاقات في قلب حركة المقاومة الفلسطينية التي تكاد تذهب بقضيتها، يعكس نفسه بحدة على السياسة العربية.
وسقوط بغداد تحت الاحتلال الاميركي يرمي بظلاله السوداء على الواقع العربي كله، حتى لو سلمنا، جدلاً، بأن حكم الطغيان الذي استولى على العراق، ذات صيف، قد تسبب بمغامراته الحربية المدمرة في إنهاك هذا الشعب العربي العظيم، وجعله يقعد عن مقاومة الاحتلال كما كنا نتوقع ونتمنى. فما بين الحرب على الثورة الإسلامية في إيران التي استمرت ثماني سنوات طويلة ومكلفة، بالإنسان والعمران، ثم اجتياح الكويت، فإن حكم الطغيان ذاك قدم تبريراً لاستقدام الاحتلال الأجنبي.
وهكذا خسرنا العراق دولة قادرة وشعباً عفياً ومؤهلاً للمشاركة في بناء المستقبل من موقع متقدم.
واحتلال العراق عنوان لحقبة عربية كاملة عنوانها عودة قوات الاستعمار، جديده والقديم، الى المنطقة العربية بطلب من حكامها، هذه المرة، ومن دون اعتراضات جدية من شعوبها المنهكة بالدكتاتوريات والقمع والفقر والجهل وانكسار الآمال بثورة التغيير.
يكفي أن نستشهد بما جرى في لبنان ولشعبه ودولته، وفي المحيط العربي من حوله، إبان الحرب الإسرائيلية عليه في تموز .2006
لقد وقف النظام العربي، عموماً، ضد المقاومة المجاهدة في لبنان، وكاد يجاهر بانحيازه الى العدو الإسرائيلي، خصوصاً ان لا حياد في مثل هذه المواجهة. وكلنا يذكر الحديث عن المغامرة . كما نتذكر ان وزراء الخارجية العرب الذين جاءوا الى بيروت، مداراةً لغضب شعوبهم، إنما جاءوا بموافقة إسرائيل وبإذن منها… وأصدروا بيانهم المتهافت بعدما انصرفوا، وقد خلا من ذكر المقاومة إلا… عرضاً! كأنهم هم الذين صدوا العدوان وألحقوا هزيمة مدوية بأقوى جيش في المنطقة!
ونتيجة لهذا الموقف العربي، شبه الاجماعي، تزايد الشرخ في لبنان، سياسياً في البداية، ثم تحول الى طائفي ومذهبي بعد ذلك.
وهكذا فإننا نعيش حالة تشرذم غير مسبوقة، بل حالة من التشظي إذ انقسم المسلمون على المسلمين، والمسيحيون على المسيحيين، وأخذ الشرخ بين السنة والشيعة يتزايد عمقاً، وتوارت الأخوة في الدين وفي الوطن وفي العلاقات العائلية (اكثر من ربع مليون مصاهرة شيعية سنية) خلف الضغائن والأحقاد التي تجد من يمولها ثم من يوظفها بالسياسة مستعيداً فصول الفتنة الكبرى، بينما الرايات الاميركية ترفرف فوق دار الإسلام جميعاً، وبينما إسرائيل تكاد تمسح فلسطين عن الخارطة والذاكرة، بما فيها القدس ومسجدها الأقصى من حيث أسرى بعبده ليلاً… هذا حتى لا نتحدث عن العراق ومأساة الانقسام المذهبي التي كادت تنسي العراقيين الاحتلال لتأخذهم الى الاقتتال فوق حطام الوطن.
وانعكس هذا الشرخ على الصحافة، وكانت ضربة قاضية.
استبدلت بعض الصحف شعاراتها وأسقطت لغتها القديمة، وصارت العروبة موضع تهكم.
صار الاميركي، محتل العراق ومساند إسرائيل، هو الصديق الكبير بل الملجأ والحامي من النفوذ الإيراني.
صار حزب الله بكل تاريخه المجاهد، وبقافلة الشهداء الطويلة ممن قدمهم من اجل التحرير، والانتصار على العدو الإسرائيلي، فيلقاً ايرانيا. أُخرج من وطنيته، ومن عروبته، وأُلحق بطرف يظل أجنبيا حتى لو كان صديقاً.
المؤلم أكثر أن غلاة أبطال الهجوم على حزب الله لا يتورعون عن المجاهرة بل المفاخرة بأنهم قد اهتدوا أخيرا الى منبع الديموقراطية في واشنطن، وأنهم يأتمّون بأقطاب المحافظين الجدد في الإدارة الاميركية، برغم أنهم يتهاوون الواحد تلو الآخر، لكن ما رسموه من سياسات ما زال معتمداً.
[[[
لا تحاسَب الصحافة بمعزل عن ومن خارج ظروف بلادها السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
ويمكن لأي منا اذا ما وضع مجموعة من الصحف الصادرة في مختلف أرجاء الوطن العربي، أن يتبين ملامح الواقع في هذه الأقطار، وبينها:
الاهتمام الشديد بالداخل، بالتفصيل الممل، مع تعظيم لما هو محلي على حساب الشؤون العربية والسياسات الدولية.
التعامل بحيدة قاتلة مع القضايا التي كانت مقدسة، فلسطين والاحتلال الإسرائيلي، الاحتلال الاميركي للعراق، حركة الأساطيل الأجنبية والتهديدات المعلنة او المضمرة لدول المنطقة، التدخل السافر في الشؤون الداخلية عبر حركة السفراء الأجانب وتصريحاتهم المستفزة.
تغليب أبواب التسلية والرياضة والسينما والكلمات المتقاطعة والجوائز والعديد من الإغراءات الأخرى لصرف الناس عن الاهتمام بالسياسة.
نفاق المؤسسة الدينية بتخصيص صفحات عن الإسلام، وكتابات مطولة لرجال دين ولأساتذة جامعيين، تروج في الغالب الأعم لثقافة سلفية، وتبعث خلافات نائمة.
وبذريعة الخوف من الأصولية الإسلامية تروج هذه الكتابات للتسليم بحق الإدارة الاميركية في احتلال العراق، ولتلبية الشروط الإسرائيلية في فلسطين، حتى لا يتهم العرب بالإرهاب.
من أقوال نسمة
قال لي نسمة الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
الحب سلاح سياسي أيضاً. في هذه الحقبة المظلمة حيث يراد لنا ان نختنق في اسار مناخ الكراهية والحقد العنصري، لا سبيل الى الانتصار الا بالحب والمزيد من الحب.
لا وقت للحب، ولا ضرورة للاعتذار عنه، لكن الحب، اليوم، هو شرط الحياة.
ان تحب يعني ان تحيا. كي تحيا تحتاج الى المزيد من الحب.