جائزة الصحافة العربية خارج العيد
أخشى أن يصيب مشروع »جائزة الصحافة العربية« ما أصاب غيره من الأفكار المشرقة التي تطل على الناس بكامل بهائها نتيجة إعداد ممتاز يسبق طرحها، فإذا ما اطمأن »صاحبها« إلى نجاحها انصرف عنها الى غيرها وتركها تتهاوى إلى روتين.. الاندثار.
قبل خمس سنوات تبنى »نادي دبي للصحافة« فكرة إنشاء جائزة سنوية للصحافة العربية، خصوصاً بعدما اطمأن إلى رعاية الشيخ محمد بن راشد المكتوم للمشروع، وإلى تبني اتحاد الصحافيين العرب الفكرة.
كانت الفكرة فتحاً جديداً في عالم هذه المهنة التي يفترض فيها أن تكون رابطاً وجسراً ثقافياً وأداة وصل وتعريف بين العرب المنتشرين على امتداد مساحة شاسعة من قارتين.
ولقد رحب بها الصحافيون جميعاً في المشرق والمغرب، إذ هي تتيح لهم الفرصة للتلاقي والتعارف وتبادل الهموم ومن ثم الخبرات، والاستماع الى الشكاوى المتشابهة من غياب الديموقراطية وضيق مساحة الرأي، وهيمنة »المنطق السامي« ملكياً كان أم »جمهورياً« على الصحافة العربية.
اعتمدت للجائزة آلية مقبولة: مجلس الجائزة، ويتكوّن من عشرة أعضاء يمثلون الصحافة في عدد من الأقطار العربية برئاسة رئيس اتحاد الصحافيين العرب يعاونه الأمين العام للاتحاد. وقد رشح المجلس مجموعة من الزملاء ليكونوا أعضاء في لجان الترشيح التي تعددت اختصاصاتها بحيث تشمل فنون الكتابة الصحافية، من المقال السياسي الى التحقيق والريبورتاج والصورة والكاريكاتور والعلوم والتكنولوجيا وصحافة الأطفال والدراسة الاقتصادية.
وأطلقت حملة دعائية واسعة تبرعت بها المؤسسات الصحافية وبعض الفضائيات العربية للتعريف بالجائزة و»تحريض« الكتّاب والصحافيين، وبالذات جيل الشباب، على التقدم للمشاركة فيها.
في العام الأول كان التجاوب مقبولاً، وأقيم احتفال ممتاز يليق بأن يكون عيداً للصحافة العربية في دبي، تلاقى فيه الزملاء من مغرب الأرض العربية ومن مشرقها، كتّابا ورسامين ومصورين وصحافيين، من جيل الشباب المفعمين بالحماسة والمؤمنين بالكلمة وقدرتها على الفعل متى كانت صادقة في أداء رسالتها وأمينة في نقدها للخطأ وفي تحريضها على الإصلاح، وفي إلحاحها على حق الناس في أن يعرفوا وفي أن يعبروا عن آرائهم وعن مطالبتهم بتغيير واقع القمع والحجر على الرأي وكل ما يهينهم في إنسانيتهم.
ولقد حكم القدر في سنتين أن تذهب جائزة شخصية العام الى كبير رحل عن دنيانا عشية إعلان النتائج: ففي السنة الأولى كان علينا أن نختار إعلاميا مناضلا كبيرا هو الراحل سامي المنيس، رئيس تحرير مجلة »الطليعة« في الكويت… وفي السنة الثانية فجعنا برحيل رائد عظيم من منطقة الخليج هو الزميل الكبير تريم عمران، منشئ جريدة »الخليج« في الشارقة ورئيس تحريرها، فكان بديهيا أن نخصه بتكريم يستحق أكثر منه. أما في السنة الثالثة فقد اخترنا زميلنا الكبير كامل زهيري، أمد الله في عمره، تكريماً لجيل من رواد الصحافة العربية كتابا مجددين ورؤساء تحرير خلاقين.
كان »العيد« في السنوات الثلاث الماضية مناسبة لفرح الأقلام.
ثم جاءت الحرب الأميركية لاحتلال العراق فعطلت الأعياد والصحافة وأشاعت مناخا من الخوف على الأوطان والشعوب، وليس فقط على الحرية والكلمة والفكرة البكر. وكان بديهيا أن تعطل أعمال المجلس وأن تعلق الجائزة، فلا أعياد مع الاحتلال ولا مساحة للفرح.
هذه السنة استأنف المجلس ومعه لجان الترشيح، النشاط الخاص بالجائزة، وتم تحديد أسماء الفائزين في المجالات المختلفة، وذهبنا الى دبي للاحتفال… وحضر الجميع: وزير الإعلام في دولة الإمارات، والشيخ محمد بن راشد راعي الجائزة، ونادي دبي للصحافة القيّم على التنظيم والمسؤول عن ضبط الحضور والدوام، بقيادة السيدة متعددة الكفاءات منى المري، وأعضاء المجلس ولجان الترشيح، كما حضر الفائزون، لكن العيد بقي عند الباب ولم يُسمح له بالدخول!
كان »الرعاة« الجدد قد احتلوا المسرح فارضين مناخا تجاريا على الاحتفال الذي بات أشبه »بفاصل إعلاني« مقطوع الصلة بالهدف من الجائزة… حتى لقد تعثر بعض الفائزين وهم يتقدمون لتسلم الجائزة ممن لا يعرفهم ولا يعرفونه، خصوصا أنه لا يعرف العربية، كلغة، ولا يعرف بالتالي ماذا كتبوا، وما أثر ما كتبوه على بيئتهم أو مجتمعهم، ولا يعنيه تقدم الصحافة العربية أو تراجعها، إذ كل ما يعنيه أن تكون أداة ترويج لبضاعته في السوق.
لم يستغرق الاحتفال أكثر من ساعة، ثم انفض الجمع بغير وداع، بل إن »شخصية العام«، وهو كاتب وأديب وناقد وصحافي مرموق، لم تحظ بالاهتمام الذي يليق بتاريخها وبنتاجها الذي يشكل إضافة نوعية إلى الحياة الأدبية العربية.
رجاء النقاش: لقاء خارج الكلمات
منذ أربعين سنة، تقريباً، التقيت رجاء النقاش، لأول مرة.
كنت أعرفه من خلال كتاباته في الثقافة، أكثر مما يعرفني من خلال كتابتي في الشؤون اللبنانية »المعقدة«… فأنا من الغاوين الذين يتبعون الشعراء والروائيين والقصاصين وكتاب المسرح، وهو معجب بلبنان، بطبيعته الخلابة وحيوية شعبه وطرافة حياته السياسية و»شباب« صحافته التي كانت تعيش في الستينيات عصرها الذهبي.
وعرفت مع رجاء النقاش شقيقته فريدة وزميلنا الذي صار من بعد زعيماً في حزب »التجمع« حسين عبد الرازق، وزميلنا الآخر الذي كان دائما مرجعا في التحليل السياسي: صلاح عيسى…
كانت هذه الكوكبة من الكتاب والصحافيين من آل النقاش وأصهارهم، تملأ دنيا الصحافة والثقافة في القاهرة حيوية وشغبا، بالاعتراض والنقد والتقريظ حتى ليصعب أن ينجو أحد من صداقتها أو من خصومتها.
التقيت رجاء النقاش في دار الهلال، بالقاهرة، ثم افتقدته بعد حين، إلى أن عثرت عليه غارقاً في إصدار مجلة ثقافية محترمة في قطر حملت اسم »الدوحة«… وكان قد ترك بصماته على مجلة »الهلال« في القاهرة، كما على مجلة »السينما والتلفزيون« التي أحياها بعد موات فأوصلها الى البيوت والأندية والأوساط الثقافية.
وعلى امتداد رحلته الطويلة في الصحافة الثقافية، شكل رجاء النقاش »مرجعية« شرعية… فهو لا يتعب من القراءة، ومن المراجعة، ومن التدقيق، ولا ينطق عن الهوى، وكان متمكناً في نقد مختلف فنون الكتابة، شعراً ونثراً ومسرحاً. وهو قد انتج في هذه الحقبة مجموعة من الكتب النقدية الممتازة هي خلاصة ما خاضه من »معارك«، لا سيما أنه في فترة من فترات عمله قد اطل على دنيا الممثلين والممثلات والمسلسلات التلفزيونية والافلام السينمائية.
وحين رشح بعض زملائي في مجلس جائزة الصحافة العربية رجاء النقاش ليكون »شخصية العام«، خشيت من إظهار حماستي حتى لا أؤخذ بعاطفتي، لكن هذا الترشيح أسعدني، إذ أشعرني بأننا إنما نكرم من نذر حياته للقلم، فعاش له ومنه، لم يرتهن ولم يحاب ولم ينافق، لذلك كان موضع حملات شديدة صارت في بعض الاحيان كتباً.
ولقد دار الفلك وتبدلت الأحوال تبدلاً عظيما في السنين الأربعين الأخيرة، لكن عصابة آل النقاش واصهارهم ظلت على صلة ببداياتها، سياسياً، وظلت على قدر من الوفاء والنزاهة في علاقتها مع الثقافة والمثقفين العرب.
… ولسوف اسعى إلى موعدي المعلق منذ دهر مع رجاء النقاش، في كتابه الجديد. فقدرنا ان نلتقي فوق الصفحات وعبر الكلمات التي تُقدمنا بهويتنا الاصلية.
عن صحافيي الشتات
صارت المؤتمرات السياسية والمنتديات الثقافية والندوات الاعلامية التي تُعقد دورياً في بعض العواصم العربية، هي المناسبات المتاحة لتلاقي صحافيي الشتات اللبناني.
لقد بتنا »اقلية« في المركز، بيروت، بينما باتت الأكثرية موزعة على المؤسسات الصحافية والاعلامية بين الاقطار العربية والعواصم الأجنبية، ولندن منها على وجه التحديد.
وما من شك في ان عدداً من هؤلاء الزملاء قد افادوا من تجربة العمل في الخارج، لا سيما أولئك الذين مقر المطبوعات التي يعملون فيها في لندن، فصار بعضهم من اللوردات، واكتست لغتهم العربية نكهة انكليزية، وطرأت عليهم عادات، فصاروا يتحدثون »عنا« بضمير الغائب: »هم«.
أما الذين جذبتهم شاشات الفضائيات وجذبوا الجمهور فقد باتوا على قدر من الشهرة، واسعدتهم »النجومية« فصاروا ينظرون الينا، نحن المحليين، بشيء من الاشفاق، كوننا نضيع مواهبنا في زواريب الطوائف والمذاهب والاحزاب الوهمية والمعارك الدون كيشوتية ضد العدو الإسرائيلي.
وتبقى فئة »الندامى« خارج التصنيف، وهؤلاء لا يجدون فائضاً من الوقت يصرفونه مع الآتين من البلاد الواقعة على الخط الفاصل بين حربين.
إنهم يبيعون وقتهم لمن هو الأسخى في تقدير ثمنه، خصوصاً انهم جمعوا حصيلة القراءات والسماع من اللطائف والطرائف كي يرووها لمن يستحق سماعها، فلماذا هدر الوقت مع رفاق أيام الشقاء الذين لا يقدرون روح النكتة أو الذين نسوا الضحك منذ زمن بعيد.
على ان هذه الهنّات الهينات لا تمنع من التنويه بالدور الريادي الذي يلعبه الزملاء الاعلاميون (والاعلاميات) اللبنانيون في التخفيف من اثقال الصحف الخليجية التي باتت وحدة القياس فيها المئة صفحة وما فوق!
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ليس هناك ربع حب أو نصف حب.
ليس القلب بيتاً بمنازل كثيرة، بل هو مساحة رحبة للحب تتسع للعالم جميعاً.
كلمة »حبيبي« بلا حدود، تقال لواحد أحد ولكنها تشمل كل الناس. فمن أحب اكتشف في الناس أفضل ما فيهم، وأعطاهم أغنى ما فيه: قلبه.