من لديه مرشح لجائزة الصحافة العربية؟
جاءتنا المفاجأة من حيث لا نتوقع، فأربكتنا ثم زادها النقاش بلورة فإذا نحن في مواجهة ازمة جدية تتصل بالصحافة العربية ودورها كرابط بين العرب في مختلف اقطارهم، وكمؤسسة سياسية ثقافية تنويرية تسهم في بلورة آرائهم ومواقفهم من شؤون حياتهم جميعا.
بدأ الاجتماع الدوري روتينيا، كالعادة: اتخذنا مقاعد من حول الطاولة كأعضاء في »مجلس جائزة الصحافة العربية« التي اطلقها نادي دبي للصحافة بمبادرة من الشيخ محمد بن راشد المكتوم.
في مقعد الرئاسة ابراهيم نافع، بوصفه رئيس اتحاد الصحافيين العرب، وعن يمينه واليسار اعضاء المجلس وامانة سره ممثلة بالسيدة منى المري. كان ثمة مقعدان خاليان لتغيب الامين العام لاتحاد الصحافيين العرب صلاح الدين حافظ، ونقيب الصحافة في المغرب يونس مجاهد.
كان جدول الأعمال بسيطاً ومن نقطتين: الاولى اختيار الفائز بجائزة العمود الصحافي، والثانية، وهي الاساس، تسمية من يستحق ان يكون »شخصية العام« لجائزة الصحافة العربية للعام 2004، بعدما تعذر علينا الاجتماع ومن ثم التسمية والاحتفال في العام 2003 بسبب الاحتلال الاميركي للعراق وتداعياته.
طُرحت مجموعة من الاسماء لجائزة العمود الصحافي، يستحق كل منها ان يكون الفائز، وبالتالي تلخصت المشكلة في الاختيار الأسلم، وقد اعتمدنا التصويت فحسم الامر خلال دقيقتين.
ثم اطلت علينا الأزمة »برؤوسها« المختلفة حين طرح الموضوع الأساس: شخصية العام لجائزة الصحافة العربية.
بداية ساد الصمت لفترة. أخذنا التهيب كما في كل عام، ثم تجرأ احدنا فطرح اسم مثقف كبير اسقطه الاعتراض بأنه اديب متميز لكنه ليس صحافيا. طرحت اسماء اخرى، لكنها كانت لشخصيات عامة لها وزنها الفكري اكثر مما تنطبق عليها شروط الانتماء الى الصحافة كمهنة.
اقترح احدنا ان نلجأ الى الجغرافيا، فنبدأ باستعراض الصحف والصحافيين في الوطن العربي من مغربه الاقصى الى يمنه السعيد، كي نفاضل بين المميزين، مع تحاشي اختيار الراحلين، لا سيما ان الجائزة في السنة الاولى ذهبت عن جدارة لراحل كبير هو المرحوم سامي المنيس الذي شغل لفترة طويلة رئاسة تحرير مجلة »الطليعة« في الكويت، وكان صاحب رأي شجاع يقرّبه من خانة المناضلين القوميين من دون ان يُخرجه من الصحافة، وقد تصادف ان اجتماعنا للاختيار تم في فترة الحداد عليه… كما ان حظنا العاثر شاء لنا ان نلتقي لاختيار شخصية العام لسنة 2002 في ظل رحيل الزميل الرائد في منطقة الخليج العربي المرحوم تريم عمران، مؤسس صحيفة »الخليج« في الشارقة ورئيس تحريرها، وهي الصحيفة التي لعبت دورا تنويريا لا ينكره حتى المكابرون.
قام بعضنا ليأتي بالقهوة او بالشاي، وانعقدت غمامة من الدخان في القاعة الصغيرة من الطابق الرابع من الفندق الذي ننزل فيه، والتي استأجرها نادي دبي بالساعة… ثم باشرنا المهمة انطلاقا من موريتانيا.
بالكاد استطعنا استذكار اسماء الصحف الصادرة هناك لكن احدا منا وبيننا المصري واللبناني والسوري والاماراتي والاردني والفلسطيني والسعودي لم يستطع تذكر اسم صحافي واحد من ذلك القطر البعيد الذي يقول بدويه الشعر بالسليقة لكن الاستعمار الطويل حرمه من الاتصال بالعصر، ثم صادر العسكر الاستقلال ووأدوا الرأي ومن ثم الصحافة.
لم تسعفنا معلوماتنا على التوقف طويلا امام صحافة المغرب وصحافييها، خصوصا ان معظم الكتّاب المعروفين هم من اهل الاحزاب اكثر منهم صحافيين، وتجاوزنا تونس حيث يجدد »الزين« رئاسته »ديموقراطيا«، وكلما انتهت ولاية منح نفسه ولاية اخرى. وطرنا من فوق ليبيا التي الغى نظام القذافي الكلام فيها فكيف بالرأي… وبطبيعة الحال لم نتوقف لحظة امام الصومال وجيبوتي، وحاولنا ان نستذكر ما نعرف عن صحافة السودان فلم نهتد الى من يستحق شرف الترشيح، واكتشفنا اننا نعرف بالضبط اسمين من الكتاب السودانيين: اولهما أديب مبدع هو الطيب صالح (الذي نال جائزة الرواية العربية منذ أيام)، اما ثانيهما فهو الشاعر محمد الفيتوري الذي اختار وهو في سن الكهولة ان تكون جنسيته ليبية مع ان العالم عرفه سودانيا ينادي بالحرية لافريقيا.
وقررنا التمهل في موضوع الجزائر وصحافتها الجديدة التي انشأها جيل شاب ما زال يبحث عن طريقه الى الديموقراطية من دون فرنسة، والى العروبة من دون دكتاتورية.
توقفنا مطولا امام صحافة مصر وصحافييها، وقد اختلفت بيننا الآراء. فبيننا من نشأ وتتلمذ على جيل الرواد والاساتذة الكبار من المؤسسين للصحافة المعاصرة، او ممن برعوا فأضافوا الى من تتلمذوا على ايديهم في الفنون الصحافية المختلفة من التحقيق الى التعليق الى الريبورتاج والدراسة، الى الافادة من فنون التصوير والرسم والكاريكاتور في ايضاح ما لا يحتاج الى توضيح من المواقف.
استذكرنا عددا من الاساتذة، ثم انتبهنا الى ان احدا من قراء هذه الايام لا يعرفون عنهم لانهم لم يقرأوا لهم الا قليلا، وما قرأوه لا يدخل في اساسيات المهنة بل هو غالبا من علامات التقاعد والزهد أو الاعتكاف او التعبير عن القرف من انظمة التخاذل، او من التأخر في الاستسلام لشروط العدو الذي يختزل العصر براياته الديموقراطية.
الى فلسطين إذاً، وهنا واجهتنا مسألة مثيرة للاهتمام، وهي ان الكفاح المسلح لم يُنتج ادبا ولا صحافة… والادباء الذين استثمرتهم الثورة الفلسطينية او تطوعوا ليكونوا دعاة للتحرير انما كانوا موجودين قبلها… لكن معظمهم تحول الى الكتابة السياسية المباشرة فخسرته الثقافة والصحافة ولم تربحه الثورة التي كانت قد اغتالتها المساومات والمغامرات والاتهامات المتبادلة بالخيانة…
في لبنان كثير من الصحف وقليل من الصحافيين، خصوصا ان النسبة الغالبة من الكفاءات المهنية قد غادرته الى الصحف العربية خارجه. في لبنان كثير من الاعلام، بالاضواء والكاميرات وثرثرات »التوك شو«، لكن الصحافيين الذين كانوا يشكلون وعدا بمستقبل مهني افضل، وهم الذين افادوا من خبرات مصرية مؤثرة او من خبرات فرنسية (اساسا) وانكليزية مترجمة، قد هجروا لبنان وقمعوا اقلامهم خلال دهر الحرب الاهلية وبسببها، وبالتالي فقد انهكتهم عمليات اعادة التأسيس وتبدل المناخات السياسية بين صحيفة واخرى لكل منها »ربها« وخطها المختلف، وهم فيها اشبه بخبراء اجانب منهم بأصحاب رسالة مهنية.
لم نتوقف عند الصحافة السورية، او العراقية بطبيعة الحال، وتجاوزنا قطر وعمان ودولة الامارات والكويت، حيث الصحافة في معظم هذه الاقطار ناشئة و»كادراتها« قيد التكوين، وصولا الى السعودية فإذا معظم رواد الصحافة فيها قد انتقلوا الى رحمته تعالى، اما المستجدون فهم ما زالوا يبنون شخصياتهم واساليبهم وبالتالي مكانتهم مما يخرجهم من دائرة السباق… وكذا الحال بالنسبة الى اليمن الذي يكثر فيه عدد الصحف من دون ان يزيد ذلك في عدد الصحافيين.
النتيجة ان الصحافة العربية في محنة… وذلك حديث يطول، فإلى لقاء آخر، بعيدا عن الجائزة واسماء الفائزين!
حكاية شهيد الغيرة الملكية!
وقفت »الملكة« وسط البادية والصقر فوق »مهبطه« الجلدي الذي يلتف على رسغ يسراها. كانت ابتسامتها تضيء وجهها فينضح بفرح الحياة.
المكان شبه جزيرة جرداء مطوقة بسلسلة من الجبال المحروقة صخورها ببراكين الدهور الغابرة. الارض كثيرة الحصى تتوزع جنباتها بضع شجيرات برية، اما في المنحنيات فتتجمع بعض المياه المتخلفة عن مطر لم يكن كافيا كي يردي جفاف الحقب المتراكمة عطشا فوق عطش.
كان الصقر يتطلع بتكاسل الى الافق الذي لا تسمع فيه زقزقة او رفة جناح… والملكة تمرر كفها الرقيقة على ظهره وجناحيه وذيله وتحاول ان تقرأ ارتياحه في عينيه الناعستين.
في لحظة رفرف الصقر بجناحيه وطار، واخذ يبتعد عاليا والعيون تتابعه باطمئنان الى انه عائد لا محالة… وتشاغل كلّ بما يؤنس وحدته.
جاء »الملك« فانسحبت »الرعية« الى بعض الاودية، وخلا الجو »للعاشقَين« في خيمتهما الملكية.
أُتي بالطعام، وانشغلت »الرعية« بالاكل، حتى انتبهت الى جلبة توحي بمعركة، وحين انتبهت كان الصقر قد اعمل مخالبه في الخيمة، ففتح فيها ثغرة، ثم اخذ يرتفع وينقض من جديد حتى مزق جانبا منها، وصراخه يملأ الافق…
فوجئت الرعية »بالملك« عاريا، والتفتوا يبحثون عن »الملكة« فإذا بالصقر ينقض عليها وقد اشتعل بالغضب: صار منقاره اشبه بحربة، وتحولت مخالبه الى ما يشبه »عصا عزرائيل« ذات الاسنان الحادة، بينما »الملكة« تداري عري جسدها ببعض ثوبها، وتداري غضب الصقر بيديها وقد جرحتهما مخالب الغيرة.
رفع »الملك« بندقيته وحاول اطلاق النار متجنبا اصابة »الملكة«… لكن الصقر انقض عليه فخبط البندقية بجناحيه ثم هوى صريع… حرمانه.
وعادت القافلة وقد جللها الصمت، فبدا موكب »الفقيد« جليلا؟
حكاية صريع المداهمتين
لم يكن قصده »مداهمة« احد، بل لعله وهو يدخل تسللا الى »علبة السر« تلك، كان يتمنى الا »يداهمه« احد، وان ينتهي من الموعد الذي جاء اليه بالرغبة، بأقل قدر من الخسائر في القيمة.
لكن »المواجهة« وقعت عند الباب الدوّار الذي يختلط عليك الامر فيه فلا تعرف من هو الداخل الى المتعة وجلاً، ومن هو الخارج منها وعلى وجهه آثار تعب وملامح خوف من انكشاف المخبوء.
تعانق الثلاثي الذي بات يجمعه الآن »سر مشترك«، واستغرب الصديق الخارج الى الهواء الطلق ان يكون الداخل وحيدا… لكن المرأة التي تقرأ الافكار، غمزت بعينها وهي تشد رفيقها ليبتعدا: دعه ولا تؤخره عن موعده.
دخل يتبعه ظله الى تلك الزاوية التي تضيئها عيناها.. وفوجئ بأنه يباشر مقارنة بين رفيقته المشتعلة بالرغبة وتلك الخارجة وقد امتلأت بالزهو بينما رفيقها يتبعها منتشيا بالفتوة التي جددها العشق مطرزا بالخبرات وابتكارات العلوم الطبية.
على انه نسي ذلك كله حين انتصبت امامه تلك الدخيلة الطارئة، يتقدمها شبقها. أجالت فيه عينيها الواسعتين كأنها تتفحصه ومدت اليه يدها محمولة على صدرها الناهد، وهمست باسمها قبل ان تنشيه بالقول: انا اعرفك!
جلست من دون دعوة، وتركته واقفا في الضياع… ثم جذبته قائلة: يتسع لنا المجلس نحن الثلاثة.
جلس كتلميذ ضبطه استاذه »يغش« في امتحان رسمي. حاول فتح الباب لحوار ثلاثي، لكن »القطة« سدت الباب بجسدها.
بعد لحظات كان يدور مع الباب الدوّار خائفا ان يكون صديقه ما زال هناك، ليعقد المقارنة بين جائزتي الكهولة التي تعاند فتقبل التحدي المفتوح دائما لاثبات خلودها في الشباب.
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
لا يُخضع المحب حبيبه لامتحانات ملكات الجمال.
قالت لي العاشقة وهي تعرّفني الى حبيبها: لا تنظر الى شكله، ان عينيه في قلبه، وقلبه في عيني، أعرفت لماذا أراه أجمل الرجال!