ماذا لو تقدم إليك بول بريمر مصافحاً يا عمرو موسى؟
أعرف تحرّق الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، لان ينجز، ولأن يبعث الروح في هذه المؤسسة العتيقة التي ضاق بها »أهلها« فخرج بعضهم منها، وخرج بعض آخر عليها، وأهملها معظمهم، فبخل عليها القادر بماله، وتجاوزها »الواصل« بارتباطه، ونسيها الذاهب الى اسرائيل عبر واشنطن والمستبدل عروبته بالاحتلال الاجنبي، كما ضاق ذرعاً بها ذلك المندفع الى العولمة وكأنها الخلاص من هويته… الثقيلة الوطأة!
وأعرف كم يتعب هذا »الفلاح الفصيح« وهو يسعى إلى أن يحوّل موقعه من »عقوبة« إلى »مكافأة« ومن »احالة على التقاعد المبكر او الاستيداع« الى مركز لاطلاق حيوية جديدة في هذا الجسد الرسمي العربي المتهالك.
أعرف أن طموحه الى النجاح المستحيل ضروري لكي يواصل التوجه كل صباح الى ذلك المبنى الانيق على شاطئ النيل، الذي أقامه قرار التحرر الوطني محل ثكنات جيش الاحتلال البريطاني كرمز لانتصار الارادة بقوة العروبة… وإلا استسلم الى بلادة من جيء به إلى هذا الموقع كعقوبة تتخذ شكل المكافأة.
وأعرف أنه حاول ان يجعل الجامعة العربية حاضرة في كل محفل دولي، لعل حضورها الدولي ولو كان شكليا يعوّض عن قصورها او منعها من ممارسة دورها الطبيعي في محيطها الطبيعي… العربي!
ولقد تكاثرت اسفار عمرو موسى، وتهاطلت تصريحاته غزيرة وإن بقي معظمها خارج الموضوع الاصلي الذي اخرجه اهله او اخرجته الضغوط على اهله من جدول اعمال الجامعة، على مستوى القمة كما على مستوى المندوبين الدائمين (؟)، ومن الاجتماعات الدورية كما من الاجتماعات الطارئة التي كانت تنتهي ببيانات مثلجة ثم بات من المستحيل التوافق على بيان ولو بتبادل النفاق، فصار صدور البيان سببا اضافيا للشقاق، وبالتالي سببا لإطلاق حملات شعواء على الجامعة وأمينها العام تجاوزت في بعض الاحيان ما هو سياسي الى ما هو شخصي.. بل ولعلها انحدرت نزولا الى ما يعاقب عليه قانون الآداب العامة.
كذلك فقد ابتكر عمرو موسى او اكتشف مجالات منسية او مهملة لنشاط الجامعة وأمينها العام، كمؤسسات المجتمع المدني، والثقافة، وحوار الحضارات، والحركة النسوية (ولو كضيف شرف على الملكات الرئيسات او الرئيسات الملكية) وصولا الى الفتاوى في الاستنساخ وتلقيح البويضات ومعالجة العقم الخ..
كل ذلك مفهوم، بل وقد يكون مبررا لاظهار الجامعة كمؤسسة »حاضرة« ولو مفلسة، ومؤهلة لان تهتم بمختلف الشؤون والمجالات المهملة والمتروكة للريح والتي لا يجد »القادة« العرب المتجولون بين القمم التي لا قيمة لاصواتهم فيها، متسعا من الوقت للتعامل معها.
لكن مشاركة عمرو موسى في »المنتدى الاقتصادي العالمي الطارئ« الذي اختير لانعقاده الحد الواصل بين اسرائيل والنظام الاردني، فوق البحر الميت، تستوقف لانها تطرح مجموعة من التساؤلات، ولا نقول الشبهات، ومنها:
من المفيد ان »تعرف« الجامعة، كمؤسسة، ما يتم التخطيط له على المستوى الدولي، لا سيما ما يخص منطقتنا العربية، حتى لو لم يكن متاحا لها ان تشارك، ولو بالرأي، فيه.
لكن حضور الأمين العام بشخصه وبما يرمز اليه قد يكون محرجا، في لحظات معينة، وقد يكون نافرا وغير مستحب في لحظات اخرى.
{ فغير بعيد عن الموقع الذي اختير بعناية لكي يأتي منسجما مع العنوان الذي اعطي لمؤتمر »المصالحة الدولية«، كانت طائرات الاباتشي الاسرائيلية تطارد وتقتل النساء والفتية والاطفال الفلسطينيين، بذريعة »الحرب على الارهاب«.
وفي قلب المؤتمر كان مقصودا ومتعمدا نشر جو من الالفة بين العرب والاسرائيليين، وكأنهم بالفعل »شركاء« في المصير. تأخر فقط عقد القران، رسميا، بينهم، وإعلانه للعامة والدهماء حتى لا يفسدوا جمالياته وموقعه التاريخي!
{ ونفترض ان كثيرا من الاسرائيليين قد اقتربوا من الأمين العام لجامعة الدول العربية، وحاولوا محادثته، او الاكتفاء بمصافحته تحت ضوء عدسات التلفزيون العالمية وأمام هذا الحشد الدولي من ذوي المقامات العالية والارصدة الهائلة.
{ ونستدرك فنقول: ان عمرو موسى قد التقى العديد من المسؤولين الاسرائيليين يوم كان وزيرا لخارجية مصر، ولم يكن ذلك مستهجنا او خارجا على اصول وظيفته الرسمية.
اما وهو امين عام لجامعة الدول العربية، التي ما زالت الاكثرية من اعضائها، في حالة حرب غير معلنة، او أقله لا تعترف رسميا بالدولة العبرية، وتعتبر العلاقة معها في منزلة بين منزلتي الخيانة وصلح الاذعان، فمن الطبيعي ان يحمي عمرو موسى موقعه فيمتنع عن فعل ما كان يفعله بالاضطرار او بداعي الوظيفة، ايام كان وزيرا لخارجية مصر المثقلة بمعاهدة كامب ديفيد والتزاماتها الباهظة التكاليف.
على ان الاخطر من هذه الشكليات جميعا هو ذلك الموقف غير الطبيعي وغير المقبول الذي وجد فيه عمرو موسى نفسه جنبا الى جنب مع حاكم الاحتلال الاميركي للعراق بول بريمر، يستمع اليه من موقع شاهد الزور يتحدث عن برامج الاحتلال لاعادة اعمار العراق، ولبناء السلطة الجديدة فيه، والاهم: لتعليم العراقيين الديموقراطية وأصول الدين.
لماذا يا »سي عمرو« تحشر نفسك بين وزير خارجية السفاح شارون وحاكم الاحتلال الاميركي للعراق بول بريمر؟
وكيف كنت ستتصرف لو ان بريمر تقدم نحوك مصافحا ومعرّفا نفسه بصفته العراقية وكأنه واحد من اعضاء المؤسسة التي تشغل فيها موقع الامين العام؟
نعرف كل الاعذار والذرائع التي يمكن ان تقال عن القرار 1483 والشرعية الدولية والامر الواقع وضرورة الكف عن سياسة النعامة والتكاذب ونفاق الشعوب في ادعاء موقف لفظي متطرف بينما الموقف العملي يكون النقيض على طول الخط.
لكن الصورة تظل نافرة وغير مقبولة، حتى لا نقول مهينة، خصوصا انه يصعب الانسحاب منها، او ادعاء وقوع الامر بالمصادفة.
نعرف ان ثمة حملة ظالمة بل ومتجنية تشن على عمرو موسى، وأنها تستهدف جامعة الدول العربية عبره، بقدر ما تستهدفه شخصيا وهو يجتهد لحماية ما تبقى من دور لهذه المؤسسة التي كانت ذات يوم مصدرا للأمل وصارت الآن مركزا للألم.
لكن عمرو موسى، بذكائه السياسي، كما بمستلزمات دوره في موقعه، عليه ان يكون اكثر تحوّطا.. ولو أدى الامر الى الإقلال من الصور ومن التصريحات ومن المشاركة الشكلية في مؤتمرات ومنتديات تفيد منها قوى الاحتلال (اميركيا واسرائيليا) اكثر مما يفيد منها العرب.
فموقع عمرو موسى شديد الحساسية، مثل شرف البنت، وقيمته بالاصل معنوية اكثر منها مادية… لذا يصير الشكل جزءا من المضمون لا يمكن فصله عنه.
والسلام على من اتبع الهدى، ايها الصديق عمرو موسى.
السيدة المؤسسة التي تعاني من أوقات الفراغ!
جاءت »الهدية« ملونة، بل مزركشة، كأنها دعوة الى استعادة زمن الفرح: الطفولة! اذاً هي محاولة جديدة للتصدي للمشكلة المزمنة: كيف نخاطب اطفالنا؟ كيف ندخل اللغة الى وجدانهم عبر الفرح؟ كيف نتواصل معهم بغير قسر او تعنت؟ كيف نقنعهم بأن يحبوا ارضهم، وبأن يحسوا بكرامة الانتساب الى هويتهم، من دون تحايل او مخادعة او تزوير؟!
قرأت بضعة من الكتب الصادرة عن »دار الحقائق«، واستمتعت باستعادة العلاقة مع الكاتب الممتاز زكريا تامر ومع الشاعر الطفل حسن عبد الله، كذلك بمباشرة علاقة مع اسماء جديدة لكاتبات وكتّاب ورسامين يجتهدون في ان يعطوا افضل ما عندهم.
فاما مجلة »احمد« فأعرفها وأعرف الجدل حولها الذي يبدأ من اسمها، بوصفه »حاجزا« يحول دون وصولها الى كل من يفترض انها تتوجه اليهم، ويمتد الى »التزامها« الذي يرى فيه البعض »إلزاما« لمن يقرأها بنهجها الذي قد لا يحظى بالاجماع، والذي قد يكون فيه قسر للفتية ينتهي بهم الى النفور من الدعوة التي تحملها، او يحد من انتشارها.
وأما مجلة »توته« فهي موجهة للاطفال، والالتزام هنا »اخلاقي« وإن كان نهجها تعليميا مبسطا ومزينا برسوم تربط الحرف بالمعنى، وتربط الصورة بدلالاتها المباشرة.
بعد »الهدية« جاءت »المؤسسة«: كان الموعد لدار الحقائق، وحين دخلت السيدة نبيهة محيدلي بثيابها »الشرعية« السوداء ووجهها المضيء وعينيها اللامعتي الذكاء، وخطواتها الثابتة التي تعكس ثقتها بنفسها وبما انجزت، فهمت بعض اسباب النجاح.
قالت السيدة المؤسسة التي تجد الوقت الكافي لبيتها، بزوجها وأربعة اطفال سيزيدون عما قريب، ولكل هذا الكم من العمل الصعب في المجال الذي طالما هرب منه »الهواة«، ومع ذلك كله او فوقه متابعة دراستها العليا في العلوم وفي الجامعة اليسوعية تحديدا: انها تعمل مع مجموعة من »المتطوعين« الذين تعوض حماستهم عن قلة عددهم، في اصدار المجلتين والكتب ذات الرسوم المشرقة والنصوص الجيدة.
وقالت السيدة التي اشرفت من موقعها على رأس »دار الحقائق« المتواضعة الامكانات، على اصدار حوالى مئتي كتاب للاطفال والفتية، إنها حظيت بتعاون فنانين كبار بينهم الكاتب الرسام المصور المخرج محيي الدين اللبّاد، الذي كان له أثره الباقي في »دار الفتى العربي«، وكذلك صنوه وزميله حلمي التوني.
لم تقل السيدة النحلة انها تحب مجابهة الصعب، ولكنها روت مع ابتسامة »الصدمة« التي أصابت الاساتذة والطلاب في الجامعة اليسوعية حين رأوها تدخل بحجابها الشرعي حرم هذه المؤسسة التي يشرف عليها الرهبان… لكن »الصدمة« تحولت من بعد الى صداقة عبر الحوار والفهم المتبادل.
وحين رجعتُ الى الكتب، بالجهد المميز في إنتاجها، نصا ورسوما وإخراجا وطباعة، وإلى المجلتين، واستذكرت حديثها عن مواصلتها الدراسة العليا وعن انتاج الاطفال ايضا، تساءلت: ترى ماذا تفعل هذه السيدة المؤسسة في اوقات فراغها!
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
المبالغة في القلق على الحب قد تقتله. الحب يحمي نفسه بالحب. ثقتي في حبيبي مطلقة، سواء أكان امامي ام غائبا ام مسافرا الى اقصى الارض. الحب مثل الايمان، قد يتعرض لامتحانات جدية، لكن علاجه يكون بمزيد من الحب، بمزيد من الايمان.. بالحب. من قال: احبك! بلغ ذروة ايمانه!