الديموقراطية للعراق بجنرال اسمه أرييل شارون الأميركي
فرح جورج و. بوش بثياب الحرب التي ارتداها بعد 11 ايلول 2001، وأسعده أن يأمر فيُطاع، وان يخاف مواجهته الحليف والصديق قبل العدو، فمضى الى افغانستان على رأس تحالف دولي مهيب، وظل يدكها بقذائف السبعة أطنان حتى أخرجت الارض أفيونها، فإذا كل شبر يُزرع في تلك البلاد التي كانت منسية قد امتلأ بالزهور الملونة الجميلة التي يتجاور فيها البنفسجي مع الابيض الحريري قبل ان تتكامل تلك الكيزان ذات الخضرة الغامقة التي كانت تباع في الدكاكين تحت اسم الخشخاش وتشتريها الأمهات لتصطنع منها منوما للأطفال.
قبل ان يفرغ من حربه الأفغانية، التفت جورج. و. بوش يبحث عن عدو جديد، من »الصنف« ذاته الذي يمكن استدراج التحالف الدولي الى قتاله تحت شعار »الحرب الصليبية« الجديدة.
فكر بإيران، فوجد ان العملية قد تكون مكلفة بأكثر مما يطيق ، وان التحالف قد ينفض بأسرع مما يقدر.
وجاءه من ينصحه باختيار العراق خصما مثاليا: فحاكمه مستبد ظالم، يكرهه شعبه، ثم انه قاتَل كل جيرانه وقاتلوه، ومن الممكن ان ينخرطوا جميعا في تحالف دولي ضده.
لكن الحرب تحتاج الى تبريرات اكثر جدية من الاعتراض على حاكم يكاد يكون نموذجيا في العالم الثالث.
… و»خصوم« الحاكم الظالم في بغداد لا يصلون في عدائيتهم الى حد اعلان حرب التدمير الشامل على العراق وإبادة العراقيين، بذريعة تمكينهم من الديموقراطية… يجب ان يبقى الانسان حيا لكي تكون له حقوق!
انفض التحالف: فاعترضت المانيا، وترددت روسيا، وهاج الرأي العام البريطاني، وتشجع جاك شيراك الفرنسي فجهر برفضه الحرب غير المبررة.
لم يتبقَّ إلا الاسرائيلي أرييل شارون..
إذاً، فلتعلَن الحرب، بداية، على مجلس الأمن، والأمم المتحدة، وهما عدوان لدودان لشارون، وبهذا تتوفر للتحالف الدولي قاعدة جديدة.
اما العراق فطالما تعذر تكتيل معارضاته المتعددة والمختلفة في ما بينها الى حد الاقتتال، وطالما استحال تجميعها تحت قيادة موحدة داخل العراق لتكون تكرارا ل»تحالف الشمال« الافغاني يمكن اتخاذه واجهة عسكرية للحشد الاميركي، فيكون القتلى عراقيين على خطي الجبهة،
… وطالما يرفض الأكراد ان يتورطوا في فعل خيانة صريح لوطنهم العراقي ولأشقائهم العرب فيه،
… وطالما تتهرب الدول العربية المجاورة من ان تكون قواعد انطلاق لجيوش الغزو الاميركي،
إذاً: فليعيّن جورج. و. بوش جنرالا اميركيا رئيسا لعراق المستقبل مما يؤكد صدق عزمه على بناء نظام ديموقراطي بديل للحاكم الظالم في بغداد، كما يؤكد تراجعه عن فكرة »الحرب الصليبية« ضد العرب والمسلمين.
وهذا فضل عظيم من جورج بوش، لأنه اختار جنرالا اميركيا بينما كان المرشح الأوفر حظا أرييل شارون، »ابن المنطقة« العارف ارضها وناسها، البطل الذي لم يخسر معركة، والذي يكفي ذكر اسمه لكي يرتعد الرجال وتسارع الامهات الى اخفاء الصغار حتى لا يأكلهم الغول.
… ومما يزكّي ارييل شارون لهذا المنصب نجاح تجربته الديموقراطية في فلسطين: فها هو يستأصل من ارضها كل من وكل ما يعترض على الاصلاح والقضاء على الفساد، وكل من يرفض الانتخابات الحرة… ثم انه يزيل المخيمات المكتظة بالسكان لكي تنشئ المدن المتبقية حدائق عامة، ويزيل من المدن بعض الأحياء الفائضة عن حاجتها والتي بُنيت عشوائيا لكي تستعيد فلسطين هويتها الحضارية الاصلية. كذلك فهو يخفف من عدد السكان بالقتل او النفي او الطرد لكي يعيش العدد المتناسب مع مساحة الارض من الفلسطينيين حياة تليق بكرامة الانسان.
شارون قائد تاريخي.. وعلى خطاه سيمشي جورج بوش ليطبق في العراق نموذجه الفلسطيني.
ولكي يدلل على صدق هذه النزعة الانسانية فيه، فقد أوفد جورج بوش جنراله المرشح ليكون رئيسا ديموقراطيا للعراق الى بعض العواصم العربية لكي يُطمئنهم الى مشاعره الانسانية والى مشاريعه الانمائية التي سينفذها بعد تحرير العراق من حاكمه الظالم.
ولعل الجنرال الاميركي قد حمل معه الى من التقاهم من الحكام العرب بعض نتاج الديموقراطية الاميركية في افغانستان: بعض الازهار الجميلة لنبتة الأفيون العظيمة التي وحدها نجحت في مكافحة الارهاب.
… فضلا عن قوائم بأعداد أعداء الديموقراطية الذين استأصلتهم الحملة الأفغانية.
مجرد سؤال
مبهجة هي صور هؤلاء الآلاف من العراقيين الذين أُطلقوا من سجون الرأي والفكر والاشتباه بالنوايا، او لضمان النتائج المذهلة للاستفتاء الرئاسي الذي سيدخل موسوعة »غينيس« باعتباره حدثا غير مسبوق، وغير متبوع على الارجح.
… ولكن، ماذا عن الستمئة اسير كويتي، الذين ما زالوا مغيَّبين عن أُسرهم ومجهولي المصير منذ اثني عشر عاماً، والذين لم يستطع النظام العراقي إبراء ذمته من المسؤولية عن احتجازهم، ومن ثم عن مصيرهم؟ بل لعله في قمة بيروت العربية قد »وعد« بالتدقيق في مسألتهم…
هل يمكن مقايضة اصواتهم بحياتهم، بمعنى ان يقولوا »نعم« وبالدم، في ملحق للاستفتاء الرئاسي، فيعترف بوجودهم ويتم اطلاق سراحهم للتبشير بديموقراطية »المئة في المئة نعم« الجديدة في ظل الحرب الاميركية الظالمة؟
… وملحق للسؤال
مع أن شر الاستفتاءات ما يُضحك، فإن في نتائج البيعة التي انتزعها صدام حسين لرئاسته الخالدة ما يستوقف ولو لمزيد من التدقيق في بعض التفاصيل الصغيرة ومنها:
ان حوالى خمسة ملايين من بين العشرين مليون عراقي، اي الربع، مشردون خارج وطنهم تتناهبهم المنافي، تعيش اغلبيتهم »من قلة الموت«، وتمد المخابرات الاجنبية ايديها لتعبث ببعضهم، وقد توظف عملاء من بينهم ضد العراق نفسه.
هؤلاء لم يشاركوا قطعا في الاستفتاء الفريد في بابه…
كذلك، فإن ثمة مليونين او اكثر من الاكراد، ومعهم معظم التركمان، ونسبة من الاشوريين والكلدان المقيمين في »كردستان العراق«، لم يشاركوا في هذا الحدث التاريخي بسبب »موانع قاهرة« بينها انعدام وسائل المواصلات، او انشغال الاخوة الاكراد بتوكيد ديموقراطيتهم الصحيحة مقابل الدكتاتورية »العربية«.
ثم ان بضعة ملايين من »شيعة« الجنوب ومن »سُنة« الشمال قد تعذّر عليهم، على الارجح، المشاركة في الاستفتاء، لانشغالهم بالحزن على قتلاهم في حروب النظام التي لا تنتهي، او في محاولة تأمين الأكل والدواء لاطفالهم الذين يموتون تحت ضغط الحصار الاميركي الخانق.
فإذا احتسبنا العدد الاجمالي للذين لم يتمكنوا من ممارسة الديموقراطية، تأتينا النتيجة مطابقة لما اعلنه النظام رسميا: مئة في المئة.
وللبيان حرر.
أوراق خريف…
مع اول زخة مطر دخلت الارض حمامها فتعطر الهواء بنشوة العشق.
في الليل نثر البدر فضته على اوراق الشجر المرشوشة بساطاً مزركشاً وتدفق الشعر ليغزل لك شالاً يحميك من عيون الحسد.
أما الاشجار التي اخذ يهجرها اللون، والتي منحت ثمارها للعابرين، فقد رفعت اذرعها ووقفت تصلي للربيع الذي ما زال بعيداً، خلف المطر والغيم والعاصفة، وان كانت ملامحك تحمل بشارته.
لماذا يظلمون هذا الفصل الذي ترتدي فيه الارض لون الخمر، ويأخذ الشمسَ النعاسُ فتذبل اشعتها وترتعش، ويرق الهواء وقد اصابه شيء من البلل.
ثم من قال إن الحب يعمل بالساعة فيزدهر في الربيع ثم يذهب الى النوم في سائر الفصول؟!
… وحين سألتك: لماذا تنهمكين في جمع اوراق الشجر المجرَّحة بالهجر، قلت انك تقرئين فيها حكايات حب منسية، وان هسيسها موسيقى حزينة تروي فيها مرارة الهجر حتى وهي تعود الى قلب ارضها مطمئنة الى انها ستبعث من جديد لتكمل الحكاية.
حكايات مبتورة
قالت وقد التقيا بعد دهر من التشرد:
لم افتقدك قط. كنت معي دائما، وكثيرا ما تجادلنا فاختصمنا، وعندما كنت ادخل الى ليل النوم كنت اجدك قد سبقتني الى أحلامي. لا غياب، فالشوق اوسع مدى من بادية الافتراق.
قال وهو يحاول التقاط اثر البعد على ملامحها التي ظل يراها في صورتها الاولى:
كثير من الحضور غياب… كانوا عشرات من حولي، لكنني كنت بالكاد ألمحهن. لعل عينيّ كانتا معك، فلم أكن ألحظ حضور الاخرين الذين برغم ضجيجهم يظلون خارج الفكر والخاطر والقلب، ولا يجري ذكرهم على سن قلم.
قالت: لن يعوّض الكلام ما فقدناه في الزمن الضائع. هلا لجأنا الى الصمت الحميم لكي نستعيد صورتنا الاصلية.
***
تطاول جيران شرفة العشق بأعناقهم وعيونهم الى فوق لعلهم يلمحون اثراً لعودة من بات موضوع اهتمامهم بالغيرة او بالحسرة او بتذوق متعة الحياة… قالت الكبرى: لا دليل على عودة الروح!… قالت الصغرى: هنيئاً لمن خرج ولم يعد. أما الأم فقد رفعت كفيها بالدعاء، في حين اجال الرجل بصره في الفراغ ثم نظر الى »حريمه« شزرا وهو يقول: المطر على وشك الهطول. لقد اقترب موسم الخير. ها هي العصافير تتطاير وفي حركتها رائحة الخصب، هيا أنزلوا الستائر وأقفلوا النوافذ حتى لا نصاب بنزلة برد.
من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
لا يُنقص الحبَّ الغيابُ ولا يزيده الحضور، فالشوق مقيم فوق أرجوحة العشق تهدهده فيهدأ ولا ينام، والملامح تلبس وجوه الآخرين ويكون عليك ان تكافح لإعادة الصورة الى اصلها لكي تستعيد نفسك… فكيف يكون هذا الحضور الكثيف غيا