كتب نصري الصايغ:
لبنان، ما قبل 17 تشرين الاول، حيٌّ يرزق. علله وأمراضه وفساده وطوائفه وزعماؤه، وكل ادوات النصب والاحتيال، موفورة الإقامة، ومرتاحة إلى مستقبلها، لم يتعلموا شيئاً، ولا يريدون أن يسمعوا شيئاً. كأن لا 17 تشرين ولا إفلاس الدولة، ولا كارثة الودائع، ولا عبقريات مصرف لبنان. انها طبقة اصلية، واصولها متينة، واخلاقها نتنة، وتداوم على السياسة، كأن شيئاً لم يكن.
هذا هو لبنانكم… لم تخسروا المعركة بعد. تحتمون بالمعارك الجانبية، كالعادة، لتخفوا الصفقة الاصلية. أفدح المعارك اليوم، ليس ما يتهدد اللبنانيين اليائسين، من جوع وعوز وقلق وندرة وانسداد افق. أفدح المعارك: محافظ بيروت. طائفة بقضها وقضيضها التفت من اجل “قضية وطنية كبرى”. بالفعل. انه زمن سافل جداً. زمن فاجر جداً. زمن للزنى السياسي الفاحش.
لبنان الغلابى متروك لقدره. الهاوية امامه، وهي عميقة جداً. إنه في قعرها، ولن يخرج منها. مساعي الطغمة السياسية راهنا، تلتئم حول كيفية اعفاء واخفاء المرتكبين. كل مرتكب للكبائر محمي محلياً ودولياً ومحورياً. القضاء مكتفٍ بفتات المخالفات. يستجوب ولا جواب حول مرتكبي الكبائر.
حظ لبنان الطائفي يفلق الصخر. المعارك بين الطغمة الفاسدة، معارك طواحين الهواء. يكذبون اذ يصرحون. يرتكبون اذ يبرئون. محاكمة ثلاثين عاماً مضوا، كذبة وتجارة ونخاسة وسوق سوداء. لا يخجلون. المرتكبون يهددون المرتكبين. أفدح نتيجة جاءت على لسان نائب عبقري: “فسادنا اقل من فسادكم”. مر هذا الكلام مرور الكرام، وبكل احترام.
ففي أي مزبلة سياسية نقيم. يصح فيهم: “بس حبلى شوي”، إعفاء لما يشبه الدعارة.
لبنان الـ 10452 وحده زابط. الأرقام دقيقة جداً باستثناء انها ليست ارقاما سيادية. فلبنان. من زمان، فاقد للسيادة. سيادة كل زعيم اقوى من سيادة الدولة. والزعيم قبيلة مذهبية ينتظم فيها رجال دين من الطراز الاول. ورجال مال من الطراز الممتاز، وماله من عرق جبينه وحده!!! يا للعار. كما أن فوق هذه السيادة تجري عمليات التفريط بالكيان والدستور والقوانين والناس.
نعم. لبنان فنان التلاعب بالأرقام. كلهم على حق. حاكم مصرف لبنان عنده ارقامه التي لا يعرفها سواه. ممنوعة على غيره. ولقد قيل فيه، من الهجاء، ما استدعى جماعته لتدعمه بالمديح. الشعب لا يعرف الا امراً واحداً، هو أن امواله التي من عرق جبينه، قد ذابت في الطريق، ما بين المصرف الموبوء، والمركزي المتلاعب، والدولة التي اوكلت انتخابيا، إلى نهابين ولصوص.
ما هو مثير في لبنان، أن السياسة فيه شغالة. مجلس النواب يجتمع ويجترح حمايات للمرتكبين، في وقت تشتد فيه نبرة المعارضة، شريكة طبقة الموالاة في الارتكاب… انهم هم هم. هذا يشبه ذاك، وذاك يشبه هذا. ولقد حكموا معاً، على الاقل، ثلاثة عقود. العجيب، أن سلوكهم في الزمن السوري، مشابه لسلوكهم في الزمن “الاستقلالي”. ومن كانوا محرومين، فتحت لهم الصناديق. غير أن ما يجعلك تجن عن جد، عندما يحتكمون إلى المؤسسات والقضاء. ثلاثون عاماً، من دون أن نضبط حرامي واحد، لا غير. هل تعرفون السبب؟ ولو!!! حاميها حراميها.
الحكومة هذه، تختلف قليلاً عن سواها، لأن بعض وزرائها ليس محسوباً على أحد من حراس الهيكل العظمي للدولة. لديهم استقلالية عن عصابة الحكم. لذا، هي متوقفة عند ملف التعيينات، كالعادة سابقاً، ومتوقفة عند ملف القضاء… إلى آخره.
اريد أن أُحسن الظن قليلاً: اتخيل أن يقدم بعض الوزراء، على لبط كرسي الحكم، وقذفها في وجوه حكام لبنان المقيتين العاصين، إذا لم يفعل أحد ذلك. فتباً. ومن حقنا أن نراهن على استكمال 17 تشرين بقوة، نعم بقوة.
هذا لبنانكم فخذوه.
ولنا لبناننا… ولن نكف ابداً عن سلوك الجلجلة.
انه لبناننا… وسننتزعه بالقوة… مهما طال الزمن.
نحن اليوم أكثرية مشتتة. لا تفرحوا كثيراً. مازلنا في اول النضال.
ومن يعش يرَ.