لن يأخذ الحوار في جلسة اليوم السياق الذي ألفه واستمر عليه منذ انطلاقه في الثاني من آذار الماضي.
إن تصرفات بعض القادة ممن يجمعهم الضيق بالمقاومة، خلال الأيام القليلة الماضية، يوحي بأنهم سيعمدون إلى استثمار الانفجار بالغضب للإهانة ليل الخميس/ الجمعة، في محاولة لكسر الهالة التي أحاطت دائماً بالسيد حسن نصر الله ومعه حزب الله وميّزت طروحاته بالجدية وأعطته منزلة مميزة في شخصه ومنطقه وصولاً إلى خطة الدفاع الاستراتيجي التي طرحها في الجلسة الأخيرة للحوار.
ولسوف يتصرف المتحفظون على المقاومة أصلاً ومنذ قيامها، والذين لم يغفروا لها انتصارها المبين على العدو الإسرائيلي، وقد كانت لهم معه علاقات تحالف واتفاقات، انطلاقاً من افتراضهم أن هيبة سيد المقاومة قد خدشت، وصار بإمكانهم بالتالي أن يتقدموه بوصفهم محترفين، وأن يتغلبوا بشطارتهم على مثاليته وبمكرهم على التزاماته الدينية والخلقية وضمنها الوطنية بطبيعة الحال.
سيحاولون التصرف بوحي مقولة انه إن كان السيد حسن نصر الله أقوى منهم في مواجهة العدو، فإنه أضعف منهم بما لا يقاس، بل إنه خارج المباراة التي تعوّدوا أن يعتمدوا فيها إثارة الغرائز والمشاعر الطائفية.
سيفترضون أن تلك الهبّة العفوية بالغضب قد خدشت مكانته، وبات ممكناً بالتالي أن يجروه إلى ميدانهم، بحيث يتعذر عليه أن يستمر في فرض تميّزه. هو الآن، في قلب حرجه، أقرب إليهم، فليترك هيبته في الخارج، وليتخفف من انتصاراته التي كانت تظهرهم دونه مكانة، في لبنان والوطن العربي والعالم الإسلامي. ليدخل الآن إلى ناديهم ، هم المحترفون القدامى المحنكون، وهو المستجد الذي لا تزال مبدئيته تبطئ خطوه ومثالياته تحد من قدرته على رد الاستفزاز بأساليبهم التي لا يعرفها ويأنف من اللجوء إليها.
إنه الآن متهم بإثارة الرعب في صفوف اللبنانيين جميعاً، انطلاقاً من بيروت التي اجتاحها أنصاره، مسقطين كل مقولاته عن أن قوته مكرّسة للعدو عبر الحدود وليست للداخل وأهله فيه… فإذا ما حاصروه بالاتهام ألزموه بالدفاع عن نفسه وحزبه (وطائفته) وصيّروه واحداً منهم، فتتصاغر قضيته وتذهب قداسته، لينزل عن مقامه كبطل للتحرير إلى زعيم طائفي آخر لا يهم حجم جمهوره… فالعدو الإسرائيلي عبء ثقيل، بينما المتخفف من ثقل العدو يقدر أن يقفز بخفة من موقع إلى آخر، دون أن يرف له جفن..
بل إنهم الآن يستطيعون أن يرفعوا عقيرتهم أعلى وأعلى وفي أيديهم السلاح القاطع المانع ممثلاً بقرارات مجلس الأمن الدولي التي تغني عن المقاومة، بل تجعلها خارجة على القانون ومصدر تهديد ليس لإسرائيل بل للسلم الأهلي!
ومن السهل الافتراض أنهم سيواجهونه بعد الذي كان بأنه قد تحوّل من بطل التحرير الذي يخيف العدو إلى البعبع الذي يخيف أهله في الداخل!
كذلك من السهل الافتراض أنهم سيتخذون مما جرى ذريعة لإسقاط العدو نهائياً من حساباتهم، فإذا أُسقط العدو من الحساب أُسقطت المقاومة وبالتالي فلماذا خطة الدفاع الاستراتيجي؟! إن سيد المقاومة سيقدَّم بعد الآن كمصدر للخطر وليس للأمان، هو يخيف الداخل وليس العدو، وخطة
الدفاع مهمة الطوائف الأخرى لمواجهته وحزبه وجمهوره المشحون بطاقة تدميرية هائلة.
إنه سيناريو محتمل، بل إن مقدماته جرت على ألسنة الصغار الذين يمهّدون لخطط الكبار .
وفي التقدير أنه سيكون همّ هؤلاء أن يجروا سيد المقاومة إلى ملعبهم، فذلك هو الفوز الذي به يحلمون.
ومع أن مهمة السيد حسن نصر الله ستكون أصعب في مواجهة المنطق الانهزامي الذي سيضخّم الذريعة ليغطي على الهدف، خصوصاً وهم يعرفون حرصه على الحوار كمخرج من المأزق الوطني، إلا أن أكثرية المؤتمرين سيكونون السند والحليف الموضوعي.
ذلك أن السلام الأهلي لن يتحقق بإسقاط صفة العدو عن العدو، وبالتالي بإسقاط صفة المقاومة عن المقاومة، وصفة الوطن عن الوطن، وصفة الشعب عن الشعب.
والناس مع السلام الأهلي ومع الحوار طريقاً إليه، وقد علّمتهم تجاربهم أن يحذروا المزايدين كما المناقصين بحيثيات طائفية ومذهبية تسهل قيام فدرالية الطوائف بديلاً من الوطن وشعبه ومقاومته التي استنقذته بدماء شهدائها.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان