من حق الرئيس رفيق الحريري ان يتصرف وفق قاعدة »عرف الحبيب مكانه فتدللا..«.
ليس ثمة ما يمنعه الآن من أن يضع أو يحدد »شروطه« لتولي الحكم مجدداً، أو ببساطة الاستمرار فيه الى اشعار آخر،
انه، ومنذ أربع سنوات قابلة للتمديد والتجديد، المرشح الأوحد لرئاسة الحكومة، والرجل الذي لا بديل منه في الظروف الدقيقة الراهنة، ورمز الاستقرار النقدي، ومستولد الثقة بالاقتصاد اللبناني، ونقطة ارتكاز السلطة ومصالح أهلها، و»عقدة« الاتصالات والمواصلات العربية والدولية، ودائماً انطلاقاً من دمشق التي دخل من بابها ثم اغلقه خلفه، وانتهاء بها.
ومنذ اقتحامه »نادي الرؤساء« في مثل هذه الأيام من العام 1992، افرنقع الاعضاء »التاريخيون« او »المجددون« فيه، منهم من »استعفى« متقاعدا من قبل ان يجيء التقاعد، ومنهم من أنصرف للبحث عن »مهنة« أخرى، ومنهم من احتجب مؤقتا في انتظار ان تهدأ »رياح الحريري« التي هبت ذات 6 أيار في لبنان.
لكأنما »صادر« الحريري »نادي الرؤساء« فحوله الى »ناد شخصي« ليس فيه الا عضو واحد… وقيل انه »اشتراه«، في جملة ما اشترى والله اعلم!
على ان الثابت انه، ومنذ ان استقر فيه، قد فرض حظر التجول من حوله، فكيف بالدخول اليه او الاشتراك فيه او استرداده بقوة »الحق التاريخي« في وراثة »السابقين«!؟
كان بيد الحريري سيف قاطع، وكانت »الزبدة« طريةجدا…
وبعد الصعوبات البديهية لامتحانات الدخول، خلا الجو لرفيق الحريري، واستقر فوق كرسيه، مطمئنا الى ثبات موقعه »فوق« المجلس النيابي، وخارج متناول ايدي الناقمين والحاسدين والمعترضين لاسباب عامة او خاصة لا فرق.
دخل الرجل وفي يده برنامج او »مشروع«، كما يحب دائما ان يقول.
وفي مواجهة برنامجه الطموح المرتكز الى منظور شامل، نسبياً، للأوضاع، في لبنان، لا سيما الاقتصادية والاعمارية منها، لم يطرح المنافسون او المعارضون، في الداخل أساساً ناهيك عن »معارضة الخارج« والتي اوصلتها الى هناك »نجاحاتها« الباهرة، الا اعتراضات معظمها مبدئي، او افكار نقدية متفرقة لها وجاهتها ولكنها ظلت متفرقة، متناثرة، لا ينظمها برنامج محدد ولا تقدم رؤية اكثر اكتمالا، ثم انها لم تكن تصدر عن قوى سياسية موحدة الرؤية ومتقاربة ولا هي كانت حيوية بالقدر المطلوب لكي تشكل »البديل« المرتجى.
صار رفيق الحريري خارج المنافسة، الى حد كبير، وتركز النقاش على من يكون معه من »رجالات« مرحلة عصر السلم الاهلي، سواء منهم المتحدر من صلب الحرب الاهلية، او الاتي من خارج السياسة تماماً والمفترض ان عصر رجال المال والاعمال هو وحده المؤهل للانقاذ،
و»الفيلم« المعاد والمفروضة علينا مشاهدته هذه الايام (استشارات شكلية تستهلك آلاف الامتار من اشرطة التصوير التلفزيوني وعشرات الصفحات من الصحف واصوات المذيعين والمذيعات والاسئلة التافهة والاجوبة المحبوكة بقصد »التنمير« او »التلطيش«)، لا يقول شيئاً الا ان الحياة السياسية بائسة تماماً وفارغة من اي معنى، وانها مقطوعة الصلة بالهموم الفعلية للناس.
فلا مجلس النواب الوليد حاضنة لهذه الحياة السياسية، ولا هو مصدر لها، بل انه سقط ضحية ارهاب التزكية في يومه الاول، وها هو يؤكد »غيابه« وانعدام تأثيره عبر الاستشارات الحكومية: فالمرشح دائماً واحد اوحد لا بديل منه، والتعليقات شخصية وشكلية ولا قيمة لها في القرار، ولا هي تعبر فعلا (وفي معظم الحالات) عن ضمير قائلها.
ولا »معارضة بناءة«، حتى في نظر بطريرك الاعتراض الماروني،
ولا قوى سياسية فاعلة تفرض رأيها لانها تعبر عن تيارات شعبية او عن مصالح حقيقية لقطاعات واسعة من اللبنانيين،
ثم ان »الثوابت« من الوزراء اصحاب الحظوظ، يشكلون الاكثرية المطلقة في الحكومة »الجديدة« تماماً كما كانوا في الحكومة الراحلة، وبمعزل عن مدى نجاحهم في وزاراتهم، وبغض النظر عن كل ما اطلق ضدهم من اتهامات قد تكون صحيحة وقد لا تكون، لكن احدا لم يحقق فيها، ومع طمس منهجي لكل ما اثير من فضائح تتمثل في الهدر والنهب المنظم والسرقة الموصوفة للمال العام، في هذا الصندوق او ذاك، وفي هذه الوزارة او تلك.
»المعركة« حامية، لكن المرشحين للخروج من نعيم الحريري قد لا يتجاوزون عدد اصابع اليد الواحدة، وهم يخرجون »لانه« لا يريدهم ان يستمروا معه، وطالما انه الرجل البلا بديل فله ان يمنح او يمنع، وله ان يشترط ان يشكل حكومته (اي الخمسة او السبعة المحرومين من نعمة احتسابهم بين »الثوابت«..) على ذوقه وحسب مزاجه او بما يتناسب مع برنامجه »اليتيم«، طالما لم تقدم قوى الاعتراض برامج بديلة تستقطب بها الناس المطحونين بالركود الاقتصادي او بالازمة الاجتماعية التي يكثر الحديث عنها من دون ان تتبلور في قوة ضغط سياسية جدية تقدم البرنامج الافضل للتغيير المنشود.
المجلس »حصص« تذهب بالمجلس وتجعل نوابه مجرد »اصوات« تؤمن تزكية اعلى معدلا من التزكية الاخرى، ولا تستبقي منه الا الرئيس وبعض النافذين قبل النيابة وبعدها..
والحكومة »حصص« تذهب بالحكومة وتجعل الوزارات وقفا ذريا لبعض المحظوظين، ولا تستبقي من مؤسسة مجلس الوزراء الا رئيسه وبعض النافذين قبل الوزارة وبعدها.
والرئيس الحريري لا يحس بأي حرج وهو يؤكد ان لا ازمة اقتصادية في البلاد المختنقة بأزمتها الاجتماعية، وكأنما ثمة انفصال بين الازمتين،
كذلك فالرئيس الحريري يجدد حديثه الدائم، وبشرح مستفيض ومعزز بالارقام الآن، عن »مشروعه« قيد التنفيذ، والذي يعطيه الحق في تشكيل حكومة متضامنة ومنسجمة معه، مؤكدا ان على المعارضة ان تذهب الى المجلس النيابي… كأنما مجال المعارضة اوسع هناك، او كأنما ليس من حق المعارضين ان »يحلموا« بأن يشاركوا في الحكم طالما ان اللافتة تقول ان نظام هذه الجمهورية!! ديموقراطي برلماني.
من حق الرئيس الحريري ان يتدلل.
لكن من حق اللبنانيين عليه ان يتعامل مع ازماتهم الخطيرة بمزيد من الجدية، خصوصا وانها اصرح في التعبير عن نفسها من مجموع المعارضين.
ولعل برنامج حكومته الجديدة يعكس مثل هذه الجدية ويتصدى للازمة بما تستحق من الدراية والاهتمام وليس باعتبارها مجرد افتراءات يروجها خصوم مغرضون!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان