حكمت الولايات المتحدة الأميركية، تحت قيادة رئيسها الفذ جورج و. بوش على العرب، ومن والاهم من »القوميات« الأخرى، بالإعدام، إهانة وإذلالاً، وقصفاً وتدميراً حتى الإبادة الشاملة!
لا فرق عندها بين عربي مسلم وعربي مسيحي، ولا تمييز بين »كردي« وسرياني وكلداني واشوري وتركماني ويزيدي أو من الصابئة… كذلك لا يهم نوع النظام القائم في أقطارهم وهل هو ملكي أو رئاسي أو جمهوري أو أميري، برلماني ديموقراطي أو شبه عسكري، جماهيري أو أوتوقراطي، ديني سلفي أو علماني.. فكله عند الأميركان عرب، وكل العرب إلى جهنم، وبئس المصير!
وحين وصَّف جورج بوش ما ينوي الإقدام عليه، قبل عام، بأنه »حرب صليبية«، لم يخطئ ولم يزلّ به اللسان، بل كان التعبير ناقصاً، لأن ما شرع فيه فعلاً وما يعلن أنه سيمضي فيه إلى النهاية هو »حرب صليبية وعنصرية« خصوصاً إذا ما انتبهنا إلى أن إسرائيل شارون والشارونيين داخل إدارته، ويدهم هي العليا، هم في موقع الشريك المقرر.
إنها حرب صليبية عنصرية يتلاقى فيها مزيج أمبريالي خبيث من المسيحية الغربية المهجنة والمستولدة من صلب اليهودية الغربية، التي سبق أن أنجبت الصهيونية.
* * *
من أين نبدأ؟ كل العرب سواء، فلنبدأ بلبنان، إذن..
هدية جورج بوش وإدارته، والكونغرس الأميركي، للبنان: التحريض على الفتنة فيه. وهو تحريض مكشوف ومباشر ومبتذل: احتضان بعض فاقدي الأهلية، أو بعض من »انتهت صلاحياتهم«، واستخدامهم لإثارة طائفية مكشوفة تحت عنوان الدعوة إلى »تحرير لبنان من ربقة الاستعمار السوري«!!
الوجه الآخر لهذه الدعوة الهجوم المتواصل والمتزايد حدة ضد »حزب الله« والذي بلغ ذروته باعتبارها هذا التنظيم ذي الدور المجيد في المقاومة لإجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن الأرض اللبنانية، والممثل الشرعي لشريحة عريضة من اللبنانيين بحيث أوصل إلى المجلس النيابي عدداً من النواب يزيد عمّا أوصلت سائر الأحزاب مجتمعة، »أخطر« من »تنظيم القاعدة« في النشاط الإرهابي..
ثم ها هي الإدارة الأميركية تمارس ضغطاً مباشراً على لبنان لمنعه من الإفادة من الحد الأدنى من ماء »نهره« الوزاني لإطفاء ظمأ الأهل والأرض في المنطقة العائدة من الاحتلال إلى الوطن، متبنية التهديد الإسرائيلي، ملوحة به في وجوهنا.
من لبنان إلى سوريا التي شنّ عليها فرسان الحرب الصليبية العنصرية في الكونغرس الأميركي حملة كراهية قلّ نظيرها، ووجهت الإهانات الجارحة إلى شعبها وإلى تاريخها وإلى دورها الذي لا غنى عنه لضمان الاستقرار في المنطقة عموماً وفي لبنان خصوصاً، وإلى نظامها ورئيسها الشاب الذي يحاول تطوير بلاده من غير أن يسقط في فخ التبعية أو الالتحاق بذريعة استعجال التقدم والازدهار.
لقد جمحت حملة الكراهية التي أطلقها فرسان الحرب الصليبية العنصرية ضد سوريا إلى أبعد ممّا تعد له إدارة بوش من ذرائع لشن الحرب ضد العراق… بل لعل هذه الحملة هي المقدمة الضرورية أو العملية لإطلاق عملية »الدمار الشامل« ضد المشرق العربي كله، خصوصاً إذا ما استذكرنا أن النار الإسرائيلية قد التهمت بالفعل مقومات الوجود الفلسطيني فوق الأرض الفلسطينية، فأحرقت البشر والحجر والشجر فضلاً عن الاتفاقات الدولية، وأشهرها ما تمّ الاحتفال به في البيت الأبيض بواشنطن.
لفلسطين، إذن، الاغتيال العلني، جهاراً نهاراً، بآلة القتل الإسرائيلية الهائلة ومعظمها أميركي المصدر والتمويل، ومعه اغتيال الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقرارات المتعددة المتصلة بحقوق أهلها في أرضها وفي دولة لهم فوق هذه الأرض والمعطلة بالأمر الأميركي، بينما يبتز جورج بوش دول العالم جميعاً لاستصدار قرار دولي جديد يسمح له بمسح أرض الرافدين شعباً وكياناً سياسياً وحضارة إنسانية وثقافة لا يستسيغها فرسان الحملة الصليبية العنصرية.
للعراق الدمار الشامل، حتى لو وافق على شروط الإذلال الأميركية،
لمصر الضغط الاقتصادي ومحاولة التركيع بالتجويع،
لسوريا التشهير العلني والتحريض المكشوف الذي لا يتورع عن استخدام الفتنة الطائفية فضلاً عن الحصار الاقتصادي والعلمي،
للسودان التلويح بمخاطر التقسيم تحت شعار الحرب الدينية،
للسعودية التحقير والامتهان والابتزاز المفتوح الذي يمتد من مصادرة قرارها السياسي وسطح أرضها بالقواعد ونفط أرضها بالاستنزاف إلى وضع اليد على ودائعها في المصارف الأميركية وأملاكها في »العالم الجديد« ومدخله تمثال الحرية في نيويورك.
لليمن فرق التفتيش عن »الإرهابيين« في الجبال والوديان والصحارى وداخل أنابيب النفط في مأرب..
أما أقطار الخليج فمنها ستنطلق صواريخ القتل وطائرات التدمير وليس عليها إلا الطاعة وإلا…
* * *
أي حرب صليبية؟
إن حملة الكراهية العنصرية التحقيرية هذه أبشع بما لا يقاس من الحرب الصليبية… القديمة!
إنها تمتهن الإنسان العربي، كإنسان، وتتوجه إليه بالتهديد بالإذلال حتى إلغاء الذات.
إن العرب يلاقون، اليوم، من الولايات المتحدة الأميركية تحت إدارة جورج بوش ما لم يلاقوه من عدوهم الإسرائيلي حتى بقيادة سفاح مثل أرييل شارون.
والحرب في بداياتها، بعد… والآتي أعظم، خصوصاً وأن العرب »مسالمون« ولا يخطر ببالهم أن يستعدوا لها، ولو بتوحيد الموقف… والأخطر أن بعضهم لا يفكر إلا بكيف يفتدي نفسه بأخيه أو بأخوانه جميعاً، على »مذهب«: أنا ومن بعدي الطوفان.
والطوفان يهدر قريباً من الرؤوس، ولن يكون بعده أي »أنا«