يتصرف الرئيس رفيق الحريري، ومنذ ان اطلّ على المسرح السياسي، وكأنه »رئيس الحزب الحاكم«، مستفيدا من قوة الضرورة التي فرضته رئيسا بلا بديل، وجعلت الجميع يسلم بتقدمه عليهم، وان كان بعضهم قد افترض انه »عابر« سيعمل لأجلهم فيتحمل عنهم الصدمة ثم ينصرف الى اعماله مشكورا.
وهو حاول في الحكومتين السابقتين ويحاول الآن، مكررا التجربة المرة، ان يحكم »بحزبه« اي بشخصه ومن معه ممن يطمئن اليهم ويثق باخلاصهم له ويرتاح الى انهم منفذون جيدون لمشروعه.
ولقد زين له البعض، كما زين له ضعف المنافسين انه الرئيس والحزب والحاكم معا.
ثم انه يفترض الآن وقد غدا نائبا انه قد بات أقوى، فهو لم يعد من »الخارج« ولم يعد بإمكانهم ان يخيفوه بالبعبع المسمى مجلس النواب، خصوصا وانه قد استطاع في السابق ويستطيع الآن ان يدجِّنه بسياسة العصا والجزرة المشهورة.
لكن الواقع مختلف، ثم انه مرير، والقابض على الحكم في بلد كلبنان مثل القابض على الجمر،
ذلك ان لا مجال لائتلاف سياسي في غياب حياة سياسية، يغدو الائتلاف صفقة، كما يغدو الاختلاف صفقة اخرى قد تكون ادسم.
لكن الائتلاف مفروض و»ثوابته« محددة ومعروفة بالاسم وان اختلفت المنابت والمشارب والاغراض وتعارضت المصالح.
اذن لا بد من ائتلاف بين »الاحزاب الحاكمة« ممثلة »بالثوابت« المشار اليهم..
هي »احزاب« اذن لا حزب واحد، ورئاسات اذن لا رئاسة واحدة، وللثوابت حق الفيتو، ومن باب اولى حق تعطيل القرار. ولأن »الثوابت« يختزلون »اكثريات« مضمرة هي التي تعطي الحكم شبه المشروعية »الشعبية« و»السياسية«، بمعنى الالتقاء على طريق دمشق، فلا بد من تلبية مطالبها مصالحها ولو بحدها الأدنى.
وهكذا تقترب الحكومة من ان تصير شركة مساهمة تتوزع اسهمها حسب مراتب القدرة ويغيب »السياسي« في طيات »المصلحي«، ويغيب »الحزب« في طيات الحصص الرئاسية مع الاخذ بالاعتبار دائما »الثوابت« التي تجعل الرئيس كما البطريرك متقدما بين متساوين.
فإذا ما استذكرنا العامل الطائفي ومعه المذهبي، اكتسبت الحصص حصانة لا يمكن خرقها، حتى لو اختزلت كل طائفة بشخص، ما قيمة الحزب مقارنا بالطائفة؟ وكيف يحسب على هذا المذهب او ذاك من يسميه ممثل مذهب آخر حتى لو كان برتبة »رئيس«؟!
الحزب الحاكم الذي تبين انه ليس الا شركة مساهمة سرعان ما يكتسب الان طابع »المجلس الملي« الجامع لمصالح مختزلي الطوائف والمذاهب بأشخاصهم، و»يطرد« منه فوراٍ كل اولئك الذين لا يتبناهم ولا يفرضهم الرؤساء البطاركة.
هي، اذن، عصبة حاكمة وليست حزباً او حتى شركة مساهمة، والعمائم والقلنسوات مجرد ادوات تنكر وتمويه لمصادرة المزيد من منافع السلطة،
اما المجلس النيابي كمؤسسة فهو مجرد شاهد زور لا يستطيع الاعتراض لأنه وليد الزواج الاضطراري بين اطراف العصبة ذاتها.
الكل ثوابت، والبلد وحده المتحول او المتغير حتى ليكاد ينكر نفسه.
وهو يتغير بقدر ما يأخدون منه،
والتجربة الثالثة للحريري اقسى من السابقتين، فهو مضطر لأن يعطي فيها اكثر مما يأخذ، خصوصاً وان الشركاء يفترضون انهم قد اعطوه كثيراً وآن لهم ان يستعيدوا »حقوقهم« المكتسبة والموروثة والثابتة دائماً!
والشعب وحده يتغير بقدر ما يخرجون منه ويبتعدون عنه.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان