ليست الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حسان دياب مولوداً شرعياً لانتفاضة 17 تشرين الأول مستمرة حتى اليوم، والغد وبعد الغد وبعد بعد الغد..
ان تشكيلتها ملفتة بحشد السيدات المؤهلات فيها، اضافة الى مجموعة رجال الأعمال، واساتذة الجامعات وبعض الضباط المتقاعدين..
ولكن ما ينقصها هو الروح، وهذه لا يمكن شراؤها أو استثمارها واستعارتها، برغم حشد المصورين لالتقاط الصور الأولى لأصحاب وصاحبات المعالي في حفل التسلم والتسليم واغراء الوجوه الجميلة أو المجملة، والتي يشكل دخولها الحكومة الجديدة جدثاً، خصوصاً بعددهن الفائض عن الحاجة (6 وزيرات!)
انها حكومة مجملة في زمن الصعوبة.. وبرغم ان السيدات فيها يشكلن نحو الثلث إلا انهن كما رئيس الحكومة وسائر الوزراء، لم ينزلن الى الشارع مرة ولا هن (وهم) شاركوا في الانتفاضة المجيدة التي اطلقت الصرخة الأولى لولادة لبنان الجديد، لبنان الوطن، بعدما شيعت الانتفاضة “الكيان” الذي استولده المستعمر الأجنبي في حملة ما استولدت من الكيانات العربية في أعقاب انتصار الحليفين فرنسا وبريطانيا العظمى في الحرب العالمية الأولى.
انها حكومة تقليدية إلا في حجم السيدات فيها، في زمن الانتفاضة الشعبية الرائعة التي تهدف الى تجاوز “الكيان” الى الوطن، وتجاوز الطوائف والمذاهب الى الشعب الواحد الموحد خلف حلمه بالتغيير الشامل بحيث يكون لبنان وطنه الفعلي وليس معبراً للنفوذ الأجنبي، بالعنوان الأميركي والتهديد الاسرائيلي، الى سائر أنحاء الوطن العربي في مشرقه كما في مغربه.
ولا تهدف هذه الكلمات الى الانتقاص من حق المرأة، المواطنة، في أن تكون شريكة في القرار الوطني (باعتبارها تحتكر القرار داخل البيت..) بل للتذكير بالمثل أو القاعدة التي تقول “كل شيء زاد عن حده بالمعنى نقص”!
ثم ان زيادة عدد “الوزيرات” لن يشغل الناس عن المهمة شبه المستحيلة للحكومة التي استولدت قيصرياً، في ظل عجز العهد عن ابتداع الحلول للوضع المأساوي (معيشياً واجتماعياً) الذي يعيشه اللبنانيون (ما عدا جبران باسيل وسائر الأقطاب فث كل العهود..)
ان استبدال الوزير الذكر بشقيقته أو ابنة عمه أو ابنة خالته أو زوجة خاله خدعة رخيصة لن تجوز على الناس الذين أقاموا ثلاثة شهور طويلة في شوارع بيروت وطرابلس، وصيدا وصور والنبطية وجل الديب وجونيه وجبيل والعبدة وحلبا والقبيات وزحلة وبعلبك والهرمل الخ..
لقد تجاوزت أوضاع البلاد بخطورتها، كل أنواع التأجيل والتسويف والترقيع.
ان الشعب اللبناني، حيثما كان، يعيش مهدداً بالعوز الى حد الجوع.
ان المستشفيات توقفت عن قبول المرضى (والمصابين) إلا اذا دفعوا مقدماً، ونقداً..
ان المصارف قد صادرت أرصدة المواطنين من دون وجه حق، وهي لا تعطي أي “زبون” من مودعي أرصدتهم لديها إلا ما يكفي لغداء عائلته دون عشاء، أو العكس..
ان الحياة معطلة في بلاد الأرز: أساتذة التعليم الرسمي وأطباء المستشفيات والطلاب، كباراً وصغاراً، أرباب الأعمال والشركات اغتنموا الفرصة لصرف عمالهم وموظفيهم بالحد الأدنى من تعويضاتهم ثم علقوا الدفع “الى أن تهدأ الأمور”.
لقد تكشفت وجوه العجز والعداء للشعب في هذا النظام الفريد..
فعلى امتداد مائة يوم تصرف أهل النظام بمنطق “لا شيء يستحق الذكر أو التوقف عنده”، وما يحدث “هبة غضب” بسيطة، أو “نرفزة” أو “مسألة عارضة” سبق أن مر مثلها كثير بالبلاد..
وليست الحكومة الجديدة دفعة على الحساب ، بل انها اضافة الى الديون الثقيلة التي يرزح تحتها شعب لبنان العظيم..